﴿ولولا أن يكون الناس﴾ أي : أهل التمتع بالأموال بما فيهم من الاضطراب والأنس بأنفسهم ﴿أمة واحدة﴾ أي : في الضلال بالكفر لاعتقادهم أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه لحبهم الدنيا وجعلها محط أنظارهم وهممهم إلا من عصمه الله تعالى ﴿لجعلنا﴾ أي : في كل زمان وكل مكان بما لنا من العظمة التي لا يقدر أحد على معارضتها لحقارة الدنيا عندنا وبغضاً لها ﴿لمن يكفر﴾ وقوله تعالى :﴿بالرحمن﴾ أي : العام الرحمة دليل على حقارة الدنيا من جهة إعطائها إلا بعد الممقوت، وعلى أن صفة الرحمة مقتضية لتناهي بسط النعم على الكافر لولا العلة التي ذكرها الله تعالى من الرفق بالمؤمنين وقوله تعالى :﴿لبيوتهم﴾ بدل من لمن بدل اشتمال بإعادة العامل واللامان للاختصاص ﴿سقفاً من فضة﴾ قال البقاعي : كأنه خصها أي : الفضة لإفادتها النور، وقرأ أبو عمرو وورش وحفص بضم الباء الموحدة والباقون بكسرها، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وسقفاً بفتح السين وسكون القاف على إرادة الجنس، والباقون بضمها جمعاً وقوله تعالى :﴿ومعارج﴾ جمع معرج وهو السلم
٦٦٥
أي : من فضة أيضاً وسميت المصاعد من الدرج معارج لأن المشي عليها مثل مشي الأعرج ﴿عليها﴾ خاصة لتيسر أمرها لهم ﴿يظهرون﴾ أي : يعلون ويرتقون على ظهرها إلى المعالي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٦٢
﴿ولبيوتهم أبواباً﴾ أي : من فضة أيضاً وقوله تعالى ﴿وسرراً﴾ أي : من فضة جمع سرير ودل على هدوء بالهم وصفاء أوقاتهم وأحوالهم بقوله تعالى :﴿عليها يتكئون﴾ ودل على ما هو أعظم من الفضة بقوله تعالى :
﴿وزخرفاً﴾ أي : ذهباً وزينة كاملة عامة.
تنبيه : زخرفاً يجوز أن يكون منصوباً بجعل أي : وجعلنا لهم زخرفاً، وجوز الزمخشري : أن ينتصب عطفاً على محل من فضة، كأنه قيل : سقفاً من فضة وذهب، فلما حذف الخافض انتصب أي : بعضها كذا وبعضها كذا، وقيل : الزخرف هو الذهب لقوله تعالى :﴿أو يكون لك بيت من زخرف﴾ (الإسراء : ٩٣)
فيكون المعنى ويجعل لهم مع ذلك ذهباً كثيراً، وقيل : الزخرف الزينة لقوله تعالى :﴿حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وأزينت﴾ (يونس : ٢٤)
فيكون المعنى نعطيهم زينة عظيمة في كل باب ﴿وإن كل ذلك﴾ أي : البعيد من الخير لكونه في الأغلب مبعداً مما يرضينا ﴿لما متاع الحياة الدنيا﴾ أي : التي اسمها دال على دناءتها يتمتع به فيها ثم يزول، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة : بتشديد الميم بعد اللام بمعنى إلا حكى سيبويه :(أنشدتك الله لما فعلت) بمعنى إلا، وتكون أن نافية أي : وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، وقرأ الباقون : بالتخفيف فتكون إن هي المخففة من الثقيلة أي : وإنه كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٦٦
والآخرة﴾
أي : الجنة التي لا دار تعدلها بل لا دار في الحقيقة إلا هي ﴿عند ربك﴾ أي : المحسن إليك بأن جعلك أفضل الخلق ﴿للمتقين﴾ أي : الذين هم دائماً واقفون عن أدنى تصرف إلا بدليل لا يشاركهم فيها غيرهم من الكفار، ولهذا لما ذكر عمر رضي الله عنه كسرى وقيصر وما كانا فيه من النعم قال النبي ﷺ "ألا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة" وقال ﷺ "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر قطرة ماء".
وروى المستورد بن شداد قال :"كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله ﷺ على السخلة الميتة فقال رسول الله ﷺ أترى هذه هانت على أهلها حتى ألقوها قالوا : من هوانها ألقوها قال رسول الله ﷺ فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها" أخرجه الترمذي وقال حديث حسن. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله ﷺ "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر". وعن قتادة بن النعمان أن رسول الله ﷺ قال :"إذا أحب الله عبده حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء".
٦٦٦
قال البقاعي : ولا يبعد أن يكون ما صار إليه الفسقة والجبابرة من زخرفة الأبنية وتذهيب السقوف وغيرها من مبادي الفتنة بأن يكون الناس أمة واحدة في الكفر قرب الساعة حتى لا تقوم الساعة على من يقول : الله، أوفي زمن الدجال لأن من يبقى إذ ذاك على الحق في غاية القلة بحيث أنه لا عداد لهم في جانب الكفرة لأن كلام الملوك لا يخلو عن حقيقة وإن خرج مخرج الشرط فكيف بملك الملوك سبحانه.
فإن قيل : لم بين تعالى أنه لو فتح على الكافر أبواب النعم لصار ذلك سبباً لاجتماع الناس على الكفر فلِمَ لم يفعل ذلك بالمسلمين حتى يصير سبباً لاجتماع الناس على الإسلام ؟
أجيب : بأن الناس على هذا التقدير كانوا يجتمعون على الإسلام لطلب الدنيا وهذا الإيمان إيمان المنافقين فاقتضت الحكمة أن لا يجعل ذلك للمسلمين حتى أن كل من دخل في الإسلام يدخل لمتابعة الدليل ولطلب رضوان الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon