﴿ولما ضرب ابن مريم مثلاً﴾ فقال ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين : نزلت في مجادلة عبد الله بن الزبعرى مع النبي ﷺ في شأن عيسى عليه السلام لما نزل قوله تعالى ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ كما تقدم في سورة الأنبياء والمعنى : ولما ضرب عبد الله بن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلاً وجادل رسول الله ﷺ بعبادة النصارى إياه ﴿إذا قومك﴾ أي : من قريش ﴿منه﴾ أي : من هذا المثل ﴿يصدون﴾ أي : يرفع لهم ضجيج فرحاً بسبب ما رأوا من سكوت النبي ﷺ فإن العادات قد جرت بأن أحد الخصمين إذا انقطع أظهر الخصم الثاني الفرح والضجيج، وقال قتادة : يقولون ما يريد محمد منا إلا أن نعبده ونتخذه إلهاً كما عبدت النصارى عيسى.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٧٠
وقالوا آلهتنا﴾
أي : التي نعبدها من الأصنام ﴿خير أم هو﴾ قال قتادة : يعنون محمداً ﷺ فنعبده ونطيعه ونترك آلهتنا، وقال السدي وابن زيد : يعنون عيسى عليه السلام قالوا : توهم محمد أن كل ما نعبد من دون الله فهو في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة في النار قال الله تعالى :﴿ما ضربوه﴾ أي : المثل ﴿لك إلا جدلا﴾ أي : خصومة بالباطل لعلمهم أن لفظ ما لغير العاقل فلا يتناول من ذكروه ﴿بل هم قوم﴾ أي : أصحاب قوة على القيام فيما يحاولونه ﴿خصمون﴾ أي : شديدُ الخصام.
روى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال رسول الله ﷺ "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدال". وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم يصدون بكسر الصاد، والباقون بضمها وهما بمعنى واحد يقال صد يصد ويصد كعكف يعكف ويعكف وعرش يعرش ويعرش، وقيل : الضم من الصدود وهو الإعراض، وقرأ الكوفيون : آلهتنا بتحقيق الهمزتين، والباقون بتسهيل الثانية واتفقوا على إبدال الثانية ألفاً، ثم إنه تعالى بين أن عيسى عبد من عبيده الذين أنعم عليهم بقوله تعالى :
﴿إن﴾ أي : ما ﴿هو﴾ أي : عيسى عليه السلام ﴿إلا عبد﴾ أي : وليس هو بإله ﴿أنعمنا﴾ أي : بما لنا من العظمة ﴿عليه﴾ أي : بالنبوة والإقدار على الخوارق ﴿وجعلناه﴾ أي : بما خرقنا به العادة في ميلاده وغير ذلك من آياته ﴿مثلاً﴾ أي : أمراً عجيباً كالمثل لغرابته من أنثى فقط بلا واسطة ذكر كما خلقنا آدم من غير ذكر وأنثى وشرفناه بالنبوة ﴿لبني إسرائيل﴾ الذين هم أعرف الناس به، بعضهم بالمشاهدة، وبعضهم بالنقل القريب المتواتر فيعرفون به قدرة الله تعالى على ما يشاء حيث خلقه من غير أبٍ.
﴿ولو نشاء﴾ أي : على ما لنا من العظمة ﴿لجعلنا﴾ ما هو أغرب مما صنعناه من أمر عيسى عليه السلام ﴿منكم﴾ أي : جعلا مبتدأ منكم إما بالتوليد كما جعلنا عيسى عليه السلام من أنثى من غير ذكر، وجعلنا آدم عليه السلام من تراب من غير أنثى ولا ذكر، وإما بالبدلية ﴿ملائكة في الأرض يخلفون﴾ أي : يخلفونكم في الأرض والمعنى : أن حال عيسى عليه السلام وإن كانت عجيبة فالله تعالى قادر على ما هو
٦٧٤
أعجب من ذلك، وأن الملائكة مثلكم من حيث إنها ذوات ممكنة يحتمل خلقها توليداً كما جاز خلقها إبداعاً فمن أين لهم استحقاق الألوهية والانتساب إلى الله تعالى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٧٠
﴿وإنه﴾ أي : عيسى عليه السلام ﴿لعلم للساعة﴾ أي : نزوله سبب للعلم بقرب الساعة التي هي تعم الخلائق كلها بالموت فنزوله من أشراط الساعة يعلم به قربها قال ﷺ "يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عادلاً يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية وتهلك في زمنه الملل كلها إلا الإسلام".
وروي :"أنه ينزل على ثنية بالأرض المقدسة يقال لها : أنيق وبيده حربة وعليه مخصرتان وشعر رأسه دهين يقتل الدجال ويأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر، وروي في صلاة الصبح فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى عليه السلام ويصلي خلفه على شريعة محمد ﷺ ثم يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به". وقال النبي ﷺ "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم". وقال الحسن وجماعة. وإنه أي : القرآن لعلم للساعة يعلمكم قيامها ويخبركم أحوالها وأهوالها ﴿فلا تمترن بها﴾ حذف منه نون الرفع للجزم وواو الضمير لالتقاء الساكنين من المرية وهي الشك أي : لا تشكن فيها وقال ابن عباس : لا تكذبوا بها ﴿واتبعوني﴾ أي : أوجدوا تبعكم لي ﴿هذا﴾ أي : كل ما أمرتكم به من هذا أو غيره ﴿صراط﴾ أي : طريق واضح ﴿مستقيم﴾ أي : لا عوج له، وقرأ أبو عمرو بإثبات الياء في الوصل دون الوقف والباقون بغير ياء وصلاً وقفاً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٧٥


الصفحة التالية
Icon