﴿يوم لا يغني﴾ أي : بوجه من الوجوه بدل من يوم الفصل، أو منصوب بإضمار أعني، أو صفة لميقاتهم، ولا يجوز أن ينتصب بالفصل نفسه لما يلزم من الفصل بينهما بأجنبي وهو ميقاتهم ﴿مولى﴾ أي : من قرابة أو غيرها ﴿عن مولى﴾ بقرابة أو غيرها أي : لا يدفع عنه ﴿شيئاً﴾ من الأشياء كثر أو قل ﴿ولا هم﴾ أي : القسمان ﴿ينصرون﴾ أي : ليس لهم ناصر يمنعهم من عذاب الله تعالى.
تنبيه : المولى إما في الدين، أو في النسب، أو العتق، وكل هؤلاء لا يسمون بالمولى فلما لم تحصل النصرة منهم فأن لا تحصل ممن سواهم أولى، ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً﴾ إلى قوله تعالى ﴿ولا هم ينصرون﴾ (البقرة : ٤٨)
وقال الواحدي : المراد بقوله تعالى :﴿مولى عن مولى﴾ الكفار لأنه ذكر بعده المؤمن فقال تعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٩٥
إلا من رحم الله﴾
أي : أراد إكرامه الملك الأعظم وهم المؤمنون يشفع بعضهم لبعض بإذن الله تعالى في الشفاعة لأحدهم فيكرم الشافع فيه وقال ابن عباس : يريد المؤمن فإنه يشفع له الأنبياء والملائكة.
تنبيه : يجوز في ﴿إلا من رحم الله﴾ أوجه ؛ أحدها : وهو قول الكسائي أنه منقطع، ثانيها : أنه متصل تقديره لا يغني قريب عن قريب إلا المؤمنين فإنهم يؤذن لهم في الشفاعة فيشفعون في بعضهم كما مر، ثالثها : أن يكون مرفوعاً على البدلية من مولى الأول ويكون يغني بمعنى ينفع قاله الحوفي، رابعها : أنه مرفوع المحل أيضاً على البدل من واو ينصرون أي : لا يمنع من العذاب إلا من رحم الله ﴿إنه﴾ أي : وحده ﴿هو العزيز﴾ أي : المنيع الذي لا يقدح في عزته عفو ولا عقاب بل ذلك دليل على عزته فإنه يفعل ما يشاء فيمن يشاء من غير مبالاة بأحد ﴿الرحيم﴾ أي : الذي لا يمنع عزته أن يكرم من شاء.
ولما وصف تعالى اليوم ذكر بعده وعيد الكفار فقال سبحانه :
﴿إن شجرت الزقوم﴾ هي من أخبث الشجر المر بتهامة ينبتها الله تعالى في الجحيم وقد مر الكلام عليها في الصافات، ورسمت بالتاء المجرورة فوقف عليها بالهاء أبو عمرو وابن كثير والكسائي، ووقف الباقون بالتاء على الرسم.
٦٩٦
﴿طعام الأثيم﴾ أي : المبالغ في اكتساب الآثام حتى صارت به إلى الكفر قال أكثر المفسرين : هو أبو جهل.
﴿كالمهل﴾ أي : وهو ما يمهل في النار حتى يذوب من ذهب أو فضة وكل ما في معناهما من المنطبعات سواء كان من صفر أو حديد أو رصاص، وقيل : هو عكر القطران، وقيل : عكر الزيت وقرأ ﴿يغلي في البطون﴾ أي : من شدة الحر ابن كثير وحفص بالياء التحتية على أن الفاعل ضمير يعود على طعام، وجوز أبو البقاء أن يعود على الزقوم، وقيل : يعود على المهل نفسه والباقون بالتاء الفوقية على أن الفاعل ضمير الشجر.
﴿كغلي﴾ أي : مثل غلي ﴿الحميم﴾ أي : الماء الذي تناهى حره بما يوقد تحته، وعن ابن عباس أن النبي ﷺ قال :"لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن تكون طعامه" ويقال للزبانية :
﴿خذوه﴾ أي : هذا الأثيم أخذ قهر فلا تدعوه يملك من أمره شيئاً ﴿فاعتلوه﴾ أي : جروه بقهر بغلظة وعنف وسرعة إلى العذاب والإهانة بحيث يكون كأنه محمول، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر بضم التاء والباقون بكسرها وهما لغتان في مضارع عتل، قال البقاعي : وقراءة الضم أدل على تناهي الغلظة والشدة من قراءة الكسر ﴿إلى سواء﴾ أي : وسط ﴿الجحيم﴾ أي : النار التي هي غاية في الاضطرام والتوقد وهو موضع خروج الشجرة التي هي طعامه.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٩٥
ثم صبوا فوق رأسه﴾
أي : ليكون المصبوب محيطاً بجميع جسده ﴿من عذاب الحميم﴾ أي : من الحميم الذي لا يفارقه العذاب فهو أبلغ مما في آية ﴿يصب من فوق رؤوسهم الحميم﴾ (الحج : ١٩)
ويقال له توبيخاً وتقريعاً :
﴿ذق﴾ أي : العذاب ﴿إنك﴾ وأكد بقوله :﴿أنت﴾ أي : وحدك دون هؤلاء الذين يخبرون بحقارتك ﴿العزيز الكريم﴾ بزعمك وقولك : ما بين جبليها أعز وأكرم مني، وقرأ الكسائي بفتح الهزة بعد القاف على معنى العلة أي : لأنك، وقيل : تقديره ذق عذاب الحميم إنك أنت العزيز، والباقون بالكسر على الاستئناف المفيد للعلة فتتحد القراءتان معنى، وهذا الكلام الذي على سبيل التهكم أغيظ للمستهزأ به ومثله قول جرير لشاعر سمى نفسه زهرة اليمن :
*ألم يكن في رسوم قد رسمت بها ** من كان موعظة يا زهرة اليمن*
وكان هذا الشاعر قد قال :
*أبلغ كليباً وأبلغ عنك شاعرها ** أني الأعز وأني زهرة اليمن*
ويقال لهم :
﴿إن هذا﴾ أي : الذي ترون من العذاب ﴿ما كنتم به﴾ أي : جبلة وطبعاً ﴿تمترون﴾ أي : تعالجون أنفسكم وتحملونها على الشك فيه وتردونها عما لها من الفطرة الأولى من التصديق بالممكن لاسيما من جرب صدقه وظهرت خوارق العادات على يده بحيث كنتم لشدة ردكم له كأنكم تخصونه بالشك.
٦٩٧
ولما ذكر سبحانه وتعالى وعيد الكفار أردفه بآيات الوعد فقال :


الصفحة التالية
Icon