﴿قال﴾ لهم ﴿يا قوم لم تستعجلون﴾ أي : تطلبون العجلة بالإتيان ﴿بالسيئة﴾ أي : التي مساءتها ثابتة وهي العقوبة التي أنذرت بها من كفر ﴿قبل﴾ الحالة ﴿الحسنة﴾ من الخيرات التي أبشركم بها في الدنيا والآخرة إن آمنتم، والاستعجال : طلب الإتيان بالأمر قبل الوقت المضروب، واستعجالهم لذلك بالإصرار على سببه وقولهم استهزاءً ﴿ائتنا بما تعدنا﴾ وكانوا يقولون إنّ العقوبة التي بعدها صالح إن وقعت على زعمه تبنا حينئذ واستغفرنا، فحينئذ يقبل الله تعالى توبتنا ويدفع العذاب عنا، فخاطبهم صالح عليه السلام على حسب عقولهم واعتقادهم فقال.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠٩
لولا﴾
أي : هلا ولم لا ﴿تستغفرون الله﴾ أي : تطلبون غفرانه قبل نزول العذاب، فإنّ استعجال الخير أولى من استعجال الشرّ ﴿لعلكم ترحمون﴾ تنبيهاً لهم على الخطأ فيما قالوه فإنّ العذاب إذا نزل بهم لا تقبل توبتهم.
تنبيه : وصف العذاب بأنه سيئة مجازاً إمّا لأن العقاب من لوازمه أو لأنه يشبهه في كونه مكروهاً، وأمّا وصف الرحمة بأنها حسنة فقيل حقيقة وقيل مجاز، ثم إنّ صالحاً عليه السلام لما قرّر لهم هذا الكلام الحق أجابوه بكلام فاسد بأن.
﴿قالوا﴾ فظاظة وغلظة ﴿اطيرنا﴾ أي : تشاءمنا ﴿بك وبمن معك﴾ أي : وبمن آمن بك، وذلك أن الله تعالى قد أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقحطوا، فقالوا حل بنا هذا الضرر والشدّة من شؤمك وشؤم أصحابك، قال الزمخشري : كان الرجل يخرج مسافراً فيمرّ بطائر فيزجره فإن مرّ سانحاً تيمن وإن مرّ بارحاً تشائم، قال الجوهريّ : السنيح والسانح ما ولاك ميامنه من ظبي أو طائر وغيرهما وبرح الظبي بروحاً إذا ولاك مياسره يمرّ من ميامنك إلى مياسرك والعرب تتطير بالبارح وتتفائل بالسانح، فلما نسبوا الخير والشرّ إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر الله تعالى وقسمته تنبيه : أصل اطيرنا تطيرنا أدغمت التاء في الطاء واجتلبت همزة وصل.
ثم أجابهم صالح عليه السلام بأن ﴿قال﴾ لهم ﴿طائركم﴾ أي : ما يصيبكم من خير وشرّ ﴿عند الله﴾ أي : الملك الأعظم المحيط بكل شيء علماً وقدرة وهو قضاؤه وقدره وليس شيء منه بيد غيره، وسمي طائراً لسرعة نزوله بالإنسان، فإنه لا شيء أسرع من قضاء محتوم، وقال ابن عباس : الشؤم أتاكم من عند الله تعالى بكفركم، وقيل : طائركم عملكم عند الله سمي طائراً لسرعة صعوده إلى
١١٠
السماء، ومنه قوله تعالى :﴿وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه﴾ (الإسراء : ١٣)
﴿بل أنتم قوم تفتنون﴾ قال ابن عباس : تختبرون بالخير والشرّ كقوله تعالى :﴿ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة﴾ (الأنبياء : ٣٥)
وقال محمد بن كعب : تعذبون، وقيل : يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم بالتطير، لما أخبر الله تعالى عن عامة هذا الفريق بالشرّ نبه على بعض شرّهم بقوله تعالى :
﴿وكان في المدينة﴾ أي : مدينة ثمود وهي الحجر ﴿تسعة رهط﴾ أي : رجال وإنما جاز تمييزاً لتسعة بالرهط لأنه في معنى الجماعة فكأنه قيل تسعة أنفس أو رجال كما قدّرته، والفرق بين الرهط والنفر أنّ الرهط من الثلاثة إلى العشرة أو من السبعة إلى العشرة والنفر من الثلاثة إلى التسعة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠٩
وأسماؤهم عن وهب : الهذيل بن عبد رب غنم بن غنم، رياب بن مهرج، مصدع بن مهرج، عمير بن كردبة، عاصم بن مخرمة، سبيط بن صدقة، سمعان بن صفي، قدار بن سالف وهم الذي سعوا في عقر الناقة وكانوا عتاة قوم صالح وكانوا من أبناء أشرافهم ورأسهم قدار بن سالف وهو الذي تولى عقر الناقة، وقوله :﴿يفسدون في الأرض﴾ إشارة إلى عموم فسادهم ودوامه وقوله :﴿ولا يصلحون﴾ يحتمل أن يكون مؤكداً للأوّل ويحتمل أن لا يكون وهو الأولى، لأنّ بعض المفسدين قد يندر منه بعض الصلاح فنفى عنهم ذلك فليس شأنهم إلا الفساد المحض الذي لا يخالطه شيء من الصلاح، ولما اقتضى السياق السؤال عن بعض حالهم أجاب بقوله :
﴿قالوا تقاسموا﴾ أي : قال بعضهم لبعض احلفوا ﴿بالله﴾ أي : الملك العظيم ﴿لنبيتنه﴾ أي : صالحاً ﴿وأهله﴾ أي : من آمن به لنهلكنّ الجميع ليلاً، فإنّ البيات مباغتة العدوّ ليلاً تنبيه : محل تقاسموا جزم على الأمر، ويجوز أن يكون فعلاً ماضياً، وحينئذ يجوز أن يكون مفسراً لقالوا كأنه قيل : ما قالوا : فقيل تقاسموا، ويجوز أن يكون حالاً على إضمار قدر أي : قالوا ذلك متقاسمين وإليه ذهب الزمخشريّ.


الصفحة التالية
Icon