وقال ابن إسحاق : كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يسمعون منه ويقتدون برأيه فلما عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه فخالفهم في دينهم فأخافوه فكان لا يدخل قرية إلا خائفاً مستخفياً، وقال ابن زيد : ولما علا موسى فرعون بالعصا في صغره فأراد فرعون قتله فقالت امرأته هو صغير فترك قتله وأمر بإخراجه من مدينته فلم يدخل عليهم إلا بعد أن كبر وبلغ أشدّه ﴿فوجد فيها﴾ أي : المدينة ﴿رجلين يقتتلان﴾ أي : يفعلان مقدّمات القتل مع الملازمة من الضرب والخنق وهما إسرائيلي وقبطيّ، ولهذا قال تعالى مجيباً لمن كان يسأل عنهما وهو ينظر إليهما ﴿هذا من شيعته﴾ أي : من بني إسرائيل ﴿وهذا من عدوه﴾ أي : من القبط، قال مقاتل : كانا كافرين إلا أن أحدهما من القبط والآخر من بني إسرائيل لقول موسى عليه السلام ﴿إنك لغويّ مبين﴾ والمشهور أن الإسرائيلي كان مسلماً قيل إنه السامريّ والقبطي طباخ فرعون فكان القبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل الحطب إلى المطبخ، وقال سعيد بن جبير : عن ابن عباس لما بلغ موسى أشدّه لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع وكان بنو إسرائيل غزُّواً لمكان موسى لكونه ربيب الملك مع أن مرضعته منهم لا يظنون أن سبب ذلك إلا الإرضاع ﴿فاستغاثه﴾ أي : طلب منه ﴿الذي من شيعته﴾ أن يغيثه ﴿على الذي من عدوّه﴾ فغضب موسى عليه السلام واشتدّ غضبه وقال للفرعوني خل سبيله فقال : إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك فنازعه فقال الفرعوني لقد هممت أن أحمله عليك وكان موسى عليه السلام قد أوتي بسطة في الخلق وشدّة في القوّة والبطش ﴿فوكزه موسى﴾ أي : دفعه بجمع كفه، والفرق بين الوكز واللكز : أنّ الأوّل : بجمع الكف والثاني : بأطراف الأصابع، وقيل : بالعكس، وقيل اللكز في الصدر والوكز في الظهر ﴿فقضى﴾ أي : فأوقع القضاء الذي هو القضاء على الحقيقة وهو الموت الذي لا ينجو منه مخلوق ﴿عليه﴾ فقتله وفرغ منه، وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه وخفي هذا على الناس لما هم فيه من الغفلة فلم يشعر به أحد فندم موسى عليه السلام عليه ولم يكن قصده القتل فدفنه في الرمل.
﴿قال هذا﴾ أي : قتله ﴿من عمل الشيطان﴾ أي : لأني لم أومر به على الخصوص ولم يكن من قصدي وإن كان المقتول كافراً حربياً، ثم أخبر عن حال الشيطان ليحذر منه بقوله ﴿إنه عدوّ﴾
١٣٦
فينبغي الحذر منه ﴿مضلّ﴾ لا يقود إلى خير أصلاً ﴿مبين﴾ أي : عداوته وإضلاله في غاية البيان ما في شيء منهما خفاء ولما لم يكن في قتله إلا الندم لعدم إذن خاص.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٥
قال رب﴾
أي : أيها المحسن إليّ ﴿إني ظلمت نفسي﴾ أي : بالإقدام على ما لم تأمرني به بالخصوص وإن كان مباحاً ﴿فاغفر لي﴾ أي : امحُ هذه الهفوة عينها وأثرها ﴿لي﴾ أي : لأجلي لا تؤاخذني ﴿فغفر﴾ أي : أوقع المحو لذلك كما سأل إكراماً ﴿له إنه هو﴾ أي : وحده ﴿الغفور﴾ أي : البالغ في صفة الستر لكل من يريد ﴿الرحيم﴾ أي : العظيم الرحمة بالإحسان بالتوفيق إلى الأفعال المرضية لمقام الإلهية ولأجل أن هذه صفته ردّه إلى فرعون وقومه حين أرسله إليهم فلم يقدروا على مؤاخذته بذلك بقصاص ولا غيره بعد أن نجا منهم قبل إرساله على غير قياس، ثم شكر ربه على هذه النعمة التي أنعم بها عليه بأن.
﴿قال رب﴾ أي : أيها المحسن إليّ ﴿بما أنعمت عليّ﴾ أي : بسبب إنعامك عليّ بالمغفرة ﴿فلن أكون﴾ أي : إن عصمتني ﴿ظهيراً﴾ أي : عوناً وعشيراً وخليطاً ﴿للمجرمين﴾ قال ابن عباس : للكافرين وهو إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته وتكسيره سواده حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد، وكان يسمى ابن فرعون، وإما مظاهرة من تؤل مظاهرته إلى الجرم والإثم كما في مظاهرة الإسرائيلي المؤدّية إلى القتل الذي لم يؤمر به وهذا نحو قوله تعالى :﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا﴾ (هود : ١١٣)
وعن عطاء أن رجلاً قال له إنّ أخي يضرب بقلمه ولا يعدو رزقه قال فمن الرأس يعني من يكتب له قال خالد بن عبد الله القسري قال فأين قول موسى وتلا هذه الآية.
وفي الحديث :"ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأشباه الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلماً فيجمعون في تابوت من حديد فيرمي بهم في جهنم" وقول ابن عباس يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى عليه السلام كان كافراً وهو قول مقاتل : وقال قتادة : أني لا أعين بعدها على خطيئة، وقيل : بما أنعمت عليّ من القوة فلن أستعملها إلا في مظاهرة أوليائك وأهل طاعتك والإيمان بك، قال ابن عباس : لم يستئن أي : لم يقل فلن أكون إن شاء الله تعالى فابتلي به في اليوم الثاني كما قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon