أكد معنى المساهلة بقوله ﴿ستجدني﴾ وفتح الياء نافع عند الوصل، والباقون بسكونها، ثم استثنى على قاعدة : أنبياء الله وأوليائه في المراقبة على سبيل التبرك بقوله ﴿إن شاء الله﴾ أي : الذي له جميع الأمر ﴿من الصالحين﴾ قال عمر : أي : في حسن الصحبة والوفاء بما قلت، أي : وكل ما تريد من كل خير، وقيل : أراد الصلاح على العموم، فإن قيل : كيف ينعقد العقد بهذا الشرط ولو قلت أنت طالق إن شاء الله لم تطلق ؟
أجيب : بأن هذا إنما يختلف بالشرائع أو أن ذلك ذكر للتبرك.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٨
قال﴾ أي : موسى عليه السلام ﴿ذلك﴾ أي : الذي ذكرته وعاهدتني فيه وشارطتني عليه ﴿بيني وبينك﴾ أي : قائم بيننا جميعاً لا يخرج كلانا عنه لا أنا عما شرطت علي ولا أنت عما شرطت على نفسك.
تنبيه : ذلك مبتدأ، والظرف خبره، وأضيفت بين لمفرد لتكرّرها، وعطفت بالواو، ولو قلت : المال لزيد فعمرو لم يجز، والأصل ذلك بيننا كما مرّ ففرق بالعطف، ثم فسر ذلك بقوله ﴿أيما﴾ أي : أيّ ﴿الأجلين﴾ فما : زائدة ﴿قضيت﴾ أي : فرغت أطولهما الذي هو العشر أو أقصرهما الذي هو الثمان ﴿فلا عدوان﴾ أي : اعتداء بسبب ذلك لك ولا لأحد ﴿عليّ﴾ في طلب أكثر منه لأنه كما لا تجب الزيادة على العشر لا تجب الزيادة على الثمان.
فإن قيل : تصوّر العدوان إنما هو في أحد الأجلين الذي هو أقصر وهو المطالبة بتتمة العشر فما معنى تعليق العدوان بهما جميعاً ؟
أجيب : بأنّ معناه كما أني إن طولبت بالزيادة على العشر كان عدواناً لا شك فيه فكذلك إن طولبت بالزيادة على الثمان أراد بذلك تقرير أمر الخيار وأنه ثابت مستقرّ وأنّ الأجلين على السواء إما هذا وإما هذا من غير تفاوت بينهما في القضاء، وأمّا التتمة فموكلة إلى رأيي إن شئت أتيت بها وإلا لم أجبر عليها، وكأنه أشار بنفي صيغة المبالغة إلى أنه لا يؤاخذ لسعة صدره وطهارة أخلاقه بمطلق العدوان ﴿والله﴾ أي : الملك الأعظم ﴿على ما نقول﴾ أي : كله في هذا الوقت وغيره ﴿وكيل﴾ قال ابن عباس ومقاتل : شهيد فيما بيني وبينك، وقيل : حفيظ، وعن سعيد بن جبير قال : سألني يهودي من أهل الحيرة أيّ الأجلين قضى موسى ؟
فقلت : لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله فقدمت فسألت ابن عباس فقال : قضى أكثرهما.
وروي عن أبي ذرّ مرفوعاً إذا سئلت أي : الأجلين قضى موسى فقل : خيرهما، وإذا سئلت فأي : المرأتين تزوّج فقل الصغرى منهما وهي التي جاءت فقالت يا أبت استأجره فتزوّج صغراهما وقضى أوفاهما، وقال وهب : أنكحه الكبرى، وروي عن شدّاد بن أوس مرفوعاً بكى شعيب عليه السلام حتى عمي فردّ الله تعالى عليه بصره ثم بكى حتى عمي فردّ الله تعالى عليه بصره ثم بكى حتى عمي فردّ الله تعالى عليه بصره وقال له : ما هذا البكاء أشوقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار ؟
قال لا يا ربّ ولكن شوقاً إلى لقائك فأوحى الله تعالى إليه إن يكن ذلك فهنيأ لك يا شعيب لذلك أخدمتك موسى كليمي، ولما تم العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه.
واختلفوا في تلك العصا ؟
فقال عكرمة : خرج بها آدم من الجنة فأخذها جبريل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلاً فدفعها إليه، وقال آخرون كانت من آس الجنة حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء وكان لا يأخذها غير نبيّ إلا أكلته فصارت من آدم إلى نوح ثم إلى إبراهيم
١٤٣
حتى وصلت إلى شعيب وكانت عصيّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عنده فأعطاها موسى، وقال السدي : كانت تلك العصا استودعها إياه ملك في صورة رجل فأمر ابنته أن تأتيه بعصا فدخلت فأخذت العصا فأتت بها فلما رآها شعيب قال لها ردّي هذه العصا وأتيه بغيرها فدخلت فألقتها وأرادت أن تأخذ غيرها فلا يقع في يدها إلا هي حتى فعلت ذلك ثلاث مرّات فأعطاها موسى فأخذها موسى معه، ثم إنّ الشيخ ندم فقال : كانت وديعة فذهب في أثره فطلب أن يردّ العصا فأبى موسى أن يعطيه وقال : هي عصاي فرضيا أن يجعلا بينهما أوّل رجل يلقاهما فلقيهما ملك في صورة رجل فحكم أن تطرح العصا فمن حملها فهي له فطرح موسى العصا فعالجها الشيخ فلم يطقها فأخذها موسى بيده فرفعها فتركها له الشيخ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٨
وروي أنّ شعيباً عليه السلام كان عنده عصيّ الأنبياء فقال لموسى بالليل ادخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصيّ فأخذ عصا هبط بها آدم من الجنة ولم تزل الأنبياء تتوارثها حتى وقعت إلى شعيب فمسها وكان مكفوفاً فضنّ أي : بخل بها فقال غيرها فما وقع في يده إلا هي سبع مرّات فعلم أنّ له شأناً.