وعن الحسن ما كانت إلا عصا من الشجر اعترضها اعتراضاً، وعن الكلبي الشجرة التي منها نودي موسى شجرة العوسج ومنها كانت عصاه، ولما أصبح قال له شعيب إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك فإن الكلأ وإن كان بها كثيراً إلا أنّ فيها تنيناً أخشاه عليك فأخذت الغنم ذات اليمين ولم يقدر على كفها فمشى على أثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله فنام فإذا بالتنين قد أقبل فحاربته العصا حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى دامية فلما أبصرها دامية والتنين مقتولاً ارتاح لذلك، ولما رجع إلى شعيب مس الغنم فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن فأخبره موسى ففرح وعلم أنّ لموسى والعصا شأناً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٨
١٤٤
﴿فلما قضى موسى الأجل﴾ أي : أتمه وفرغ منه وزوّجه ابنته، قال مجاهد مكث بعد ذلك عند صهره عشراً أخرى فأقام عنده عشرين سنة، ثم إنّ شعيباً عليه السلام أراد أن يجازي موسى على رعيته إكراماً له وصلة لابنته فقال له إني وهبت لك من الجداء التي تضعها أغنامي هذه السنة كل أبلق وبلقاء فأوحى الله تعالى إلى موسى في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستقى الأغنام قال فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحدة منها إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم شعيب أنّ ذلك رزق ساقه الله عز وجلّ إلى موسى وامرأته فوفى له بشرطه وسلم الأغنام إليه، ثم إنّ موسى استأذنه في العود إلى مصر فأذن له فخرج ﴿وسار بأهله﴾ أي : امرأته راجعاً إلى أقاربه بمصر ﴿آنس﴾ أي : أبصر من بعيد ﴿من جانب الطور﴾ اسم جبل ﴿ناراً﴾ آنسته رؤيتها وكان في البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق حينئذ ﴿قال لأهله امكثوا﴾ أي : ههنا، وقرأ حمزة في الوصل بضم الهاء قبل همزة الوصل، وعبر موسى عليه السلام بضمير الذكور فلعل كان معه بنون فغلبهم على امرأته، وقد ذكرت غير ذلك في السورة التي قبل هذه، ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لاستبعاد أن يكون في ذلك المكان القفر وفي ذلك الوقت الشديد البرد ناراً ﴿إني آنست ناراً﴾ فتح الياء نافع وابن كثير وأبو عمرو، وسكنها الباقون، كأنه قيل فماذا تعلم بها فقال معبراً بالترجي لأنه أليق بالتواضع ﴿لعلى آتيكم منها﴾ أي : من عندها ﴿بخبر﴾ أي : عن الطريق لأنه كان قد أخطأها ﴿أوجذوة﴾ أي : قطعة وشعلة ﴿من النار﴾ وقال قتادة ومقاتل : هو العود الذي احترق بعضه تنبيه : من النار صفة لجذوة ولا يجوز تعلقها بآتيكم كما تعلق به منها لأنّ هذه النار هي النار المذكورة، والعرب إذا قدمت نكرة وأرادت إعادتها أعادتها مضمرة أو معرفة بأل العهدية وقد جمع الأمرين هنا، وقرأ عاصم بفتح الجيم وحمزة بضمها، والباقون بالكسر وكلها لغات وجمعها جذى، ثم استأنف قوله ﴿لعلكم تصطلون﴾ أي : لتكونوا على رجاء من أن تقربوا من النار فتعطفوا عليها للتدفؤ، وهذا دليل على أنّ الوقت كان شتاء.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٤
فلما أتاها﴾
أي : النار، وبنى ﴿نودي﴾ للمفعول لأنّ آخر الكلام يدلّ دلالة واضحة على أنّ المنادي هو الله تعالى ولما كان نداؤه تعالى لا يشبه نداء غيره بل يكون من جميع الجوانب ومع ذلك قد يكون لبعض المواضع مزيد شرف بوصف من الأوصاف إمّا بأن يكون أوّل السماع منه أو غيره ذلك أو يكون باعتبار موسى عليه السلام قال ﴿من شاطئ الواد﴾ فمِنْ : لابتداء الغاية، وقوله تعالى ﴿الأيمن﴾ صفة للشاطئ أو للوادي، والأيمن من اليمن وهو البركة أو من اليمين المعادل لليسار من العضوين ومعناه على هذا بالنسبة إلى موسى أي : الذي يلي يمينك دون يسارك، والشاطئ ضفة الوادي والنهر أي : حافته وطرفه وكذا الشط والسيف والساحل كلها بمعنى، وجمع الشاطئ أشطأ
١٤٥
قاله الراغب وشاطأ فلاناً ماشيته سار بها على الشاطئ، وقوله تعالى ﴿في البقعة المباركة﴾ متعلق بنودي أو بمحذوف على أنه حال من الشاطئ ومعنى المباركة جعلها الله تعالى مباركة لأنّ الله تعالى كلم موسى عليه السلام هناك وبعثه نبياً، وقال عطاء : يريد المقدسة وقوله تعالى :﴿من الشجرة﴾ بدل من شاطئ الوادي بإعادة الجار بدل اشتمال لأنّ الشجرة كانت ثابتة على الشاطئ، قال البقاعي : ولعلّ الشجرة كانت كبيرة فلما وصل إليها دخل النور من طرفها إلى وسطها فدخلها وراءه بحيث توسطها فسمع وهو فيها الكلام من الله تعالى حقيقة وهو المتكلم سبحانه وتعالى لا الشجرة.
قال القشيري : وحصل الإجماع على أنه عليه السلام سمع تلك الليلة كلام الله تعالى ولو كان ذلك نداء الشجرة لكان المتكلم الشجرة وقال التفتازانيّ : في شرح المقاصد إنّ اختيار حجة الإسلام أنه سمع كلامه الأزليّ بلا صوت ولا حرف كما ترى ذاته في الآخرة بلاكمّ ولا كيف.


الصفحة التالية
Icon