واختلف في الشجرة ما هي ؟
فقال ابن مسعود : كانت سمرة خضراء، وقال قتادة ومقاتل والكلبي : كانت عوسجة، وقال وهب : من العليق، وعن ابن عباس أنها العناب، ثم ذكر المنادى به بقوله تعالى :﴿أن يا موسى﴾ فأَنْ هي مفسرة لا مخففة ﴿إنّي أنا الله﴾ أي : المستجمع للأسماء الحسنى والصفات العليا، وفتح الياء نافع وابن كثير وأبو عمرو وسكنها الباقون ثم وصف نفسه سبحانه تعالى بقوله ﴿رب العالمين﴾ أي : خالق الخلائق أجمعين ومربيهم، قال البيضاوي : هذا وإن خالف ما في طه والنمل في اللفظ فهو طبقه في المقصود انتهى، وقال ابن عادل : واعلم أنه تعالى قال في سورة النمل ﴿نودي أن بورك من في النار ومن حولها﴾ (النمل : ٨)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٤
وقال ههنا ﴿إني أنا الله رب العالمين﴾ وقال في سورة طه ﴿إني أنا ربك﴾ ولا منافاة بين هذه الأشياء فهو تعالى ذكر الكل إلا أنه تعالى حكى في كل سورة ما اشتمل عليه ذلك النداء، ثم إنّ الله تعالى أمره أن يلقي عصاه ليريه آية بقوله تعالى :
﴿وأن ألق عصاك﴾ أي : لأريك فيها آية فألقاها فصارت في الحال حية عظيمة وهي مع عظمها في غاية الخفة ﴿فلما رآها﴾ أي : العصا ﴿تهتز﴾ أي : تتحرّك كأنها في سرعتها وخفتها ﴿جانّ﴾ أي : حية صغيرة ﴿ولى مدبراً﴾ خوفاً منها ولم يلتفت إلى جهتها وهو معنى قوله تعالى ﴿ولم يعقب﴾ أي : موسى عليه السلام وذلك كناية عن شدّة التصميم على الهرب والإسراع فيه خوفاً من الإدراك في الطلب فقيل له ﴿يا موسى أقبل﴾ أي : التفت وتقدّم إليها ﴿ولا تخف﴾ ثم أكد له الأمر لما الآدميُّ مجبول عليه من النفرة وإن اعتقد صحة الخبر بقوله تعالى :﴿إنك من الآمنين﴾ أي : العريقين في الأمن كعادة إخوانك من المرسلين فإنه لا يخاف لديّ المرسلون ثم زاد طمأنينة بقوله تعالى :
﴿اسلك﴾ أي : ادخل على الاستقامة مع الخفة والرشاقة ﴿يدك في جيبك﴾ أي : القطع الذي في ثوبك وهو الذي يخرج منه الرأس أو هو الكم كما يدخل السلك وهو الخيط الذي ينظم فيه الدرّ ﴿تخرج بيضاء﴾ بياضاً عظيماً يكون له شأن خارق للعادات ﴿من غير سوء﴾ أي : عيب من أثر الحريق الذي عجز فرعون عن مداواته أو غيره فخرجت ولها شعاع كشعاع الشمس يعشي البصر تنبيه : قد ذكر هذا المعنى بثلاث عبارات إحداها هذه وثانيتها :﴿واضمم يدك إلى جناحك﴾ (طه : ٢٢)
وثالثتها :﴿وأدخل يدك في جيبك﴾ (النمل، ١٢).
١٤٦
﴿واضمم إليك جناحك﴾ أي : يديك المبسوطتين تتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس، أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريراً لغرضٍ آخر وهو أن يكون ذلك في وجه العدو أظهر جراءة ومبدأ لظهور معجزة ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه، ومنه ما يحكي عن عمر بن عبد العزيز : أن كاتباً له كان يكتب بين يديه فانفلتت منه فلتة ريح فخجل وانكسر فقام وضرب بقلمه الأرض فقال له عمر : خذ قلمك واضمم إليك جناحك وليفرخ روعك فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي.
ومعنى قوله تعالى ﴿من الرهب﴾ من أجل الرهب أي : إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك تجلداً وضبطاً لنفسك، جعل الرهب الذي كان يصيبه سبباً وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه، قال الفراء : أراد بالجناح العصا ومعناه اضمم إليك عصاك، قال البغويّ : وقيل الرهب الكمّ بلغة حمير، قال الأصمعي : سمعت بعض الأعراب يقول أعطني ما في رهبك أي : في كمك ومعناه اضمم إليك يدك وأخرجها من الكمّ لأنه تناول العصا ويده في كمه انتهى، قال الزمخشريّ معترضاً هذا القول :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٤
ومن بدع التفاسير أن الرهب الكمّ بلغة حمير وأنهم يقولون أعطني ما في رهبك وليت شعري كيف صحته في اللغة وهل سمع من الأثبات الثقات الذين ترضى عربيتهم ثم ليت شعري كيف وقعه في الآية وكيف تطبيقه المفصل كسائر كلمات التنزيل على أن موسى عليه السلام ما كان عليه ليلة المناجاة إلا زرمانقة من صوف لا كمين لها انتهى.


الصفحة التالية
Icon