. وقال مجاهد : هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله تعالى فيدعها من مخافته عز وجل. ﴿جنتان﴾ أي : لكل خائف جنتان على حدة. قال مقاتل : جنة عدن وجنة النعيم وقال محمد بن علي الترمذي : جنة بخوف ربه وجنة بترك شهوته ؛ وقال ابن عباس : من خاف مقام ربه بعد أداء الفرائض ؛ وقيل : جنتان لجميع الخائفين ؛ وقيل : جنة لخائف الإنس وأخرى لخائف الجنّ فيكون من باب التوزيع ؛ وقيل : مقام هنا مقحم كما تقول أخاف جانب فلان، وفعلت هذا لمكانك، وأنشد :
*................ ونفيت عنه ** مقام الذئب ؛ كالرجل اللعين*
١٧٣
يريد ونفيت عنه الذئب ؛ قال ابن عادل : وليس بجيد لأنّ زيادة الاسم ليست بالسهلة ؛ وقيل : إنّ الجنتين جنته التي خلقت له وجنة، ورثها ؛ وقيل : إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه كما يفعل رؤساء الدنيا ؛ وقيل : إحدى الجنتين مسكنه والأخرى بستانه ؛ وقيل : إحدى الجنتين أسافل القصور والأخرى أعاليها ؛ وقال الفراء : إنها جنة واحدة وإنما ثنى مراعاة لرؤوس الآي ؛ وأنكر القتيبي هذا وقال : لا يجوز أن يقال خزنة النار عشرون وإنما قال : تسعة عشر مراعاة لرؤوس الآي ؛ وقيل : جنة واحدة وإنما ثنى تأكيداً كقوله تعالى :﴿ألقيا في جهنم﴾ (ق : ٢٤)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٣
وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله ﷺ يقول :"من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل إلا أن يبلغه الله تعالى إليه إلا أن يبلغه الله تعالى الجنة" أخرجه الترمذي. قوله أدلج الإدلاج مخففاً سير أول الليل، ومثقلاً سير آخر الليل ؛ والمراد من الإدلاج التشمير والجد والاجتهاد في أوّل الأمر فإن من سار في أوّل الليل كان جديراً ببلوغ المنزل.
روى البغوي بسنده عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله ﷺ يقص على المنبر وهو يقول :﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾ قلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال رسول الله ﷺ ﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾ فقلت الثانية : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال رسول الله ﷺ الثالثة :﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾ قلت الثالثة : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله قال :"وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء".
فائدة : قال القرطبي : في هذه الآية دليل على أنّ من قال لزوجته إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق إنه لا يحنث إن كان هم بالمعصية وتركها خوفا من الله تعالى وحياء منه ؛ وقاله سفيان الثوري وأفتى به. هذا ومذهب الشافعي أنه لا يحنث إذا كان مسلماً ومات على الإسلام.
وقال عطاء : نزلت هذه الآية في أبي بكر حين ذكر ذات يوم الجنة حين أزلفت والنار حين أبرزت ؛ وقال الضحاك : بل شرب ذات يوم لبناً على ظمأ فأعجبه فسأل عنه، فأخبر عنه أنه من غير حل فاستقاءه ورسول الله ﷺ ينظر إليه فقال : رحمك الله لقد أنزلت فيك آية وتلا عليه الآية.
﴿فبأي آلاء﴾ أي : نعم ﴿ربكما﴾ المربي لكما بإحسانه الكبار التي لا يقدر أحد على شيء منها ﴿تكذبان﴾ أبتلك النعم أم بغيرها مما فوضه إليكم من سائر النعم التي لا تحصى ؟
١٧٥
ثم وصف الجنتين بقوله تعالى :﴿ذواتا﴾ أي : صاحبتا أو خبر لمبتدأ محذوف أي : هما ذواتا، وفي تثنية ذات لغتان الردّ إلى الأصل، فإنّ أصلها ذوية فالعين واو واللام ياء لأنها مؤنثة ذوو الثانية التثنية على اللفظ فيقال ذاتا. وقوله تعالى ﴿أفنان﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه جمع فنن كطلل وهو الغصن المستقيم طولاً تكون به الزينة بالورق والثمر وكمال الانتفاع، قال النابغة الذبياني :
*بكاء حمامة تدعو هديلا
** مفجعة على فنن تغني
١٧٤
وفي الحديث :"أهل الجنة مرد مكحولون الوفانين" يريد الأفانين وهو جمع أفنان وأفنان جمع فنن من الشعر شبه بالغصن ذكره الهروي. وقال قتادة : ذواتا أفنان أي : ذواتا سعة وفضل على سواهما.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٣
والوجه الثاني : أنه جمع فن وإليه أشار ابن عباس. والمعنى ذواتا أنواع وأشكال وقال الضحاك : ألوان من الفاكهة واحدها فنّ إلا أنّ الكثير في فنّ أن يجمع على فنون : وقال عطاء كل غصن فنون من الفاكهة، ولذا سبب عنه قوله تعالى :﴿فبأي آلاء﴾ أي : نعم ﴿ربكما﴾ أي : المحسن إليكما والمدبر لكما ﴿تكذبان﴾ أبتلك النعم من وصف الجنة الذي جعل لكم من أمثاله ما تعتبرون به، أم بغيرها ؟


الصفحة التالية
Icon