قال مجاهد :﴿في سدر مخضود﴾ هو الموقر حملاً الذي تنثني أغصانه كثرة حمله من خضض الغصن إذا ثناه وهو رطب ؛ وقال سعيد بن جبير : ثمرها أعظم من القلال ﴿وطلح منضود﴾ أي : منظوم بالجمل من أعلاه إلى أسفله ليست له ساق بارزة متراكم يتركب بعضه على بعض على ترتيب هو في غاية الإعجاب، والطلح جمع الطلحة ؛ قال عليّ وابن عباس رضى الله عنهم وأكثر المفسرين : الطلح شجر الموز واحده طلحة ؛ وقال الحسن : ليس هو موزاً ولكنه شجر له ظل بارد رطب ؛ وقال الفرّاء وأبو عبيدة : شجر عظيم كثير الشوك والطلح كل شجر عظيم له شوك ؛ وقال الزجاج : هو شجر أم غيلان ؛ قال مجاهد : ولكن ثمرها أحلى من العسل، وقال الزجاج : لها نور طيب جدّاً خوطبوا ووعدوا بما يحبون مثله إلا أنّ فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا ؛ وقال السدي : طلح الجنة يشبه طلح الدنيا لكن له ثمر أحلى من العسل ؛ وقال مسروق : أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها نضيدة ثمر كله كلما أكلت ثمرة عاد مكانها أحسن منها ﴿وظل ممدود﴾ أي : دائم لا يزول ولا تنسخه الشمس لقوله تعالى :﴿ألم تر إلى ربك كيف مد الظلّ ولو شاء لجعله ساكناً﴾ (الفرقان : ٤٥)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩١
كظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ؛ وقيل : الظل ليس ظلّ أشجار بل ظلّ يخلقه الله تعالى، قال الربيع بن أنس رضى الله عنه : يعني ظلّ العرش ؛ وقال عمرو بن ميمون رضى الله عنه : مسيرة سبعين ألف سنة ؛ وقال أبو عبيدة : تقول العرب للدهر الطويل والعمر الطويل والشيء الذي لا ينقطع ممدود قال الشاعر :
*غلب العزاء وكان غير مغلب ** دهر طويل دائم ممدود*
وفي صحيح الترمذي وغيره، عن أبي هريرة رضى الله عنه : عن النبيّ ﷺ أنه قال :"في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم ﴿وظلّ ممدود﴾" في هذا
١٩٢
الحديث ردّ على من يقول : إنّ الأشجار لا ظل لها وقد سئل السبكي عن الرجل الذي هو آخر أهل الجنة دخولاً إذا تراءت له شجرة يقول : يا رب أدنني من هذه لأستظل في ظلها، الحديث من أيّ شيء يستظل والشمس قد كورت ؟
أجاب بقوله تعالى :﴿وظلّ ممدود﴾ وبقوله تعالى :﴿هم وأزواجهم في ظلال﴾ (يس : ٥٦)
إذ لا يلزم من تكوير الشمس عدم الظل لأنه مخلوق لله تعالى وليس بعدم بل أمر وجودي له نفع بإذن الله تعالى في الأبدان وغيرها. فليس الظل عدم الشمس كما قد يتوهم ؛ وروى عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى :﴿وظلّ ممدود﴾ قال شجرة في الجنة يخرج إليها أهل الجنة فيتحدّثون، ويشتهي بعضهم لهو الدنيا فيرسل الله تعالى عليهم ريحاً من الجنة فتتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا ﴿وماء مسكوب﴾ أي : جار في منازلهم في غير أخدود لا يحتاجون فيه إلى جلب ماء من الأماكن البعيدة ولا إدلاء في بئر كأهل البوادي، فإن العرب كانت أصحاب بادية وبلاد حارّة، وكانت الأنهار في بلادهم عزيزة لا يصلون إلى الماء إلا بالدلو والرشاء فوعدوا في الجنة خلاف ذلك ﴿فاكهة كثيرة﴾ أي : أجناسها وأنواعها وأشخاصها ﴿لا مقطوعة ولا ممنوعة﴾ قال ابن عباس رضى الله عنهما : لا تنقطع إذا جنيت، ولا تمتنع من أحد إذ أراد أخذها، وقال بعضهم : لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالأثمان كما تنقطع أكثر ثمار الدنيا إذا جاء الشتاء، ولا يتوصل إليها إلا بالثمن ؛ وقيل : لا يمنع من أرادها شوك ولا بعد ولا حائط بل إذا اشتهاها العبد دنت منه حتى يأخذها، قال تعالى ﴿قطوفها دانية﴾ (الحاقة : ٢٣)
وجاء في الحديث :"ما قطع من ثمار الجنة إلا أبدل الله تعالى مكانها ضعفين".
ولما كان التفكه لا يكمل الإلتذاذ به إلا مع الراحة قال تعالى :﴿وفرش مرفوعة﴾ أي : رفيعة القدر يقال : ثوب رفيع، أي : عزيز مرتفع القدر والثمن بدليل قوله تعالى :﴿متكئين على فرش بطائنها من استبرق﴾ (الرحمن : ٥٤)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩١
فكيف ظهائرها أو مرفوعة فوق السرر بعضها فوق بعض ؛ روى الترمذي عن أبي سعيد عن النبيّ ﷺ في قوله تعالى :﴿وفرش مرفوعة﴾ قال :"ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمس مئة عام". قال : حديث غريب ؛ وقيل : هي كناية عن النساء كما كنى عنهن باللباس، أي : ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن، والعرب تسمى المرأة فراشاً ولباساً على الاستعارة.