سورة الفتح
مكية وهي تسع وعشرون آية وخمسمائة وستون كلمةوألفان وأربعمائة وثمانية وثلاثون حرفا
﴿بسم الله﴾ أي : المحيط بكل شيء قدرة وعلما ﴿الرحمن﴾ الذي عم خلقه بنعمه ﴿الرحيم﴾ الذي خص أهل وداده بمزيد فضله روى زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه، كان يسير مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره فسأله عمر عن شيء فلم يجبه. ثم سأله فلم يجبه قال عمر فحركت بعيري حتى تقدّمت أمام الناس وخشيت أن يكون نزل فيّ قرآن فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي فجئت رسول الله ﷺ فسلمت عليه فقال :"لقد أنزلت عليّ الليلة سورة هي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩
﴿إنا فتحنا لك﴾ أي : بما لنا من العظمة التي لا تثبت لها الجبال ﴿فتحناً مبينا﴾ أي : لا لبس فيه على أحد. واختلفوا في هذا الفتح فروى عن أنس أنه فتح مكة. وقال مجاهد : فتح خيبر. والأكثرون على أنه صلح الحديبية. قال أنس : نزلت على النبيّ ﷺ إنا فتحنا لك إلى آخر الآية عند مرجعه من الحديبية وأصحابه مخالطوا الحزن والكآبة فقال :"نزلت علي آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعها" فلما تلاها نبيّ الله ﷺ قال رجل من القوم هنيأً مريئاً قد بين الله لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فأنزل الله تعالى :﴿ليدخل المؤمنين والمؤمنان جنّات تجري من تحتها الأنهار﴾ حتى ختم الآية. وقيل : فتح الروم. وقيل : فتح الإسلام بالحجة والبرهان والسيف واللسان. وقيل :
٢٠
الفتح الحكم لقوله تعالى ﴿فافتح بيننا وبين قومنا بالحق﴾ (سورة الأعراف، آية : ٨٩)
وقوله تعالى ﴿ثم يفتح بيننا بالحق﴾ (سورة سبأ، آية : ٢٦)
فمن قال هو فتح مكة قال لأنه مناسب لآخر السورة التي قبلها من وجوه أحدها أنه تعالى لما قال ﴿ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله﴾ إلى أن قال ﴿ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه﴾ بين تعالى أنه فتح لهم مكة وغنموا ديارهم وحصل لهم أضعاف ما أنفقوا ولو بخلوا لضاع عليهم ذلك فلا يكون بخلهم إلا على أنفسهم.
ثانيها : لما قال تعالى :﴿والله معكم﴾ (محمد : ٣٥)
وقال تعالى ﴿وأنتم الأعلون﴾ (محمد : ٣٥)
بين برهانه بفتح مكة فإنهم كانوا هم الأعلون. ثالثها لما قال تعالى ﴿فلا تنهوا وتدعوا إلى السلم﴾ (محمد : ٣٥)
وكان معناه لا تسألوا الصلح بل اصبروا فإنكم تسألوا الصلح كما كان يوم الحديبية فكان المراد فتح مكة حيث أتى صناديد قريش مستأمنين ومؤمنين ومسلمين ومستسلمين فإن قيل : إن كان المراد فتح مكة فمكة لم تكن فتحت. فكيف قال تعالى :﴿فتحنا﴾ بلفظ الماضي أجيب من وجهين : أحدهما فتحنا في حكمنا وتقديرنا.