قال المفسرون : في هذه الآية أنّ الله تعالى رفع المؤمن على من ليس بمؤمن والعالم على من ليس بعالم، قال ابن مسعود مدح الله تعالى العلماء في هذه الآية، والمعنى : أنّ الله تعالى يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا بما أمروا به وقال تعالى :﴿هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ (الزمر : ٩)
وقال تعالى :﴿وقل رب زدني علماً﴾ (طه : ١١٤)
وقال تعالى :﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ (فاطر : ٢٨)
والآيات في ذلك كثيرة معلومة
وأمّا الأحاديث فكثيرة مشهورة منها من "يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" وروي أنّ عمر رضى الله عنه "كان يقدّم عبد الله بن عباس على الصحابة رضي الله تعالى عنهم فكلموه في ذلك فدعاهم ودعاه فسألهم عن تفسير ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ فسكتوا فقال ابن عباس : هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه الله إياه فقال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم".
٢٤٢
ومنها أنه ﷺ قال :"لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله ما لا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" والمراد بالحسد : الغبطة : وهي أن تتمنى مثله ومنها أنه ﷺ "قال لعليّ كرّم الله وجهه : لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" ومنها أنه ﷺ قال :"من جاءه أجله وهو يطلب العلم لحيي به الإسلام لم يفضله النبيون إلا بدرجة واحدة" ومنها أنه ﷺ قال :"بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤١
ومنها : أنه ﷺ قال فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وفي رواية كفضلي على أدناكم".
ومنها : أنه ﷺ قال : إنّ الله أوحى إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أني عليم أحب كل عليم".
ومنها : أنه ﷺ قال :"يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء" فأعظم بمنزلة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنها :"أنه ﷺ مرّ بمجلسين في مسجده أحد المجلسين يدعون الله تعالى ويرغبون إليه، والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه فقال رسول الله ﷺ كلا المجلسين على خير وأحدهما أفضل من صاحبه، أما هؤلاء فيدعون لله عز وجل ويرغبون إليه، وأما هؤلاء فيتعملون الفقه ويعلمونه الجاهل فهؤلاء أفضل، وإنما بعثت معلماً ثم جلس فيهم" والأحاديث في ذلك كثيرة جدّاً.
وأمّا أقوال السلف فلا تحصر، فمنها ما قاله ابن عباس : أن سليمان عليه السلام خير بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه، وما قاله بعض الحكماء : ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم وأي شيء فات من أدرك العلم.
وما قاله الأحنف : كاد العلماء يكونون أرباباً، وكل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل ما يصير.
وما قاله الزبيري : العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكورة الرجال.
وما قاله أبو مسلم الخولاني : مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء إذا برزت للناس اهتدوا بها وإذا خفيت عنهم تحيروا.
٢٤٣
وما قاله معاذ : تعلم العلم فإنّ تعلمه لك حسنة، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة.
وما قاله علي : العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق.
وما قاله ابن عمر : مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة.
وما قاله الشافعي من أن : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة وقال : ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، وقال : من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم فإنه يحتاج إليه في كل منهما.
وقد ذكرت في أوّل شرح المنهاج من الأحاديث ومن أقوال السلف ما يسرّ الناظر الراغب في الخير وفيما ذكرته هنا كفاية لأولي الأبصار ﴿والله﴾ أي : والحال أنّ المحيط بكل شيء علماً وقدرة ﴿بما تعملون﴾ أي : حال الأمر وغيره ﴿خبير﴾ أي : عالم بظاهره وباطنه فإن كان العلم مزيناً بالعمل بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وتصفية الباطن كانت الرفعة على حسبه، وإن كان على غير ذلك فكذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤١


الصفحة التالية
Icon