تنبيه : هذه الآية تدل على أنّ كل ما أمر به النبيّ ﷺ أمر من الله تعالى لأنّ الآية، وإن كانت في الغنائم فجميع أوامره ﷺ ونواهيه داخل فيها. قال عبد الرحمن بن زيد : لقي ابن مسعود رجلاً محرماً وعليه ثيابه، فقال : انزع عنك هذا، فقال الرجل : تقرأ عليّ بهذا آية من كتاب الله تعالى، قال : نعم ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ وقال عبد الله بن محمد بن هارون الفريابي : سمعت الشافعي رضى الله عنه يقول : سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله تعالى، وسنة نبيكم ﷺ قال : فقلت له : أصلحك الله ما تقول في المحرم يقتل الزنبور، قال : فقال : بسم
٢٥٩
الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى :﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن خراش عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله ﷺ "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن أسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب : أنه أمر بقتل الزنبور. وهذا الجواب في غاية الحسن أفتى بقتل الزنبور في الإحرام، وبين أنه يقتدى فيه بعمر، وأنّ النبيّ ﷺ أمر بالاقتداء به، وأنّ الله تعالى أمر بقبول ما يقوله ﷺ فجواز قتله من الكتاب والسنة.
وسئل عكرمة عن أمّهات الأولاد هل هنّ أحرار ؟
فقال : في سورة النساء في قوله تعالى :﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم﴾ (النساء : ٥٩)
وفي صحيح مسلم وغيره عن علقمة عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ "لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله تعالى" فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب فجاءت فقالت : بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال وما لي لا ألعن من لعن رسول الله ﷺ وهو في كتاب الله تعالى فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول فقال : لئن كنت قرأتيه فقد وجدتيه أما قرأت ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ قالت : بلى، قال : فإنه قد نهى عنه الحديث.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٥
فائدة : الوشم : هو غرز العضو من الإنسان بالإبرة، ثم يحشى بالكحل. والمستوشمة، هي التي تطلب أن يفعل بها ذلك، والنامصة : هي التي تنتف الشعر من الوجه، والمتفلجة : هي التي تتكلف تفريج ما بين ثناياها بصناعة، وقيل : تتفلج في مشيها في كل شيء منهي عنه. وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وورش بالفتح وبين اللفظين، والباقون بالفتح والهمزة ممدودة بلا خلاف لأنها بمعنى الإعطاء ﴿واتقوا الله﴾ أي : واجعلوا لكم بطاعة رسول الله ﷺ وقاية من عذاب الملك الأعظم المحيط علماً وقدرة، وعلل ذلك بقوله تعالى :﴿إن الله﴾ أي : الذي له الجلال والإكرام على الإطلاق ﴿شديد العقاب﴾ أي : العذاب الواقع بعد الذنب. قال البقاعي ومن زعم أن شيئاً مما في هذه السورة نسخ بشيء مما في سورة الأنفال فقد أخطأ، لأنّ الأنفال نزلت في بدر، وهي قبل هذه بمدّة.
وقوله تعالى :﴿للفقراء﴾ أي : الذين كان الإنسان منهم يعصب الحجر على بطنه من الجوع ويتخذ الحفرة في الشتاء لتقيه البرد وماله دثار غيرها بدل من لذي القربى، وما عطف عليه قاله الزمخشري. والذي منع الإبدال من لله وللرّسول والمعطوف عليهما وإن كان المعنى لرسول الله ﷺ لأنّ الله تعالى أخرج رسوله ﷺ من الفقراء في قوله تعالى :﴿وينصرون الله ورسوله﴾ ولأنه
٢٦٠
تعالى يترفع برسوله ﷺ عن تسميته بالفقير، وقال غيره : إنه خبر لمبتدأ محذوف، أي : ولكن الفيء للفقراء.
وقيل تقديره : ولكن يكون للفقراء، وقيل تقديره : أعجبوا للفقراء، واقتصر على هذا التقدير الجلال المحلى. وإنما جعله الزمخشري بدلاً من لذي القربى لأنه حنفي، والحنفية يشترطون الفقر في إعطاء ذوي القربى من الفيء، ولذا قال البيضاوي : ومن أعطى أغنياء ذوي القربى، أي : كالشافعي خصص الإبدال بما بعده، أو الفيء بفيء بني النضير ا. ه. أوانهم كانوا عند نزول الآية كذلك، ثم خصص بالوصف بقوله تعالى :﴿المهاجرين﴾ وقيد ذلك بقوله تعالى :﴿الذين أخرجوا من ديارهم﴾ لأنّ الهجرة قد تطلق على من هجر أهل الكفر من غيره مفارقة الوطن وقوله تعالى :﴿وأموالهم﴾ إشارة إلى أنّ المال لما كان يستره الإنسان كان كأنه ظرف له


الصفحة التالية
Icon