وقال مصعب بن سعد : الناس على ثلاث منازل فمضت منزلتان وبقيت منزلة، فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت. وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه جاءه رجل فقال له : يا ابن بنت رسول الله ﷺ ما تقول في عثمان فقال له يا أخي أنت من قوم قال الله تعالى فيهم :﴿للفقراء المهاجرين﴾ الآية، قال : لا، قال : فأنت من قوم قال الله تعالى فيهم :﴿والذين تبوؤا الدار والإيمان﴾ الآية، قال : لا، قال : فو الله إن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجنّ من الإسلام، وهي قوله تعالى :﴿والذين جاؤوا من بعدهم﴾ الآية وروي أنّ نفراً من أهل العراق جاؤوا إلى محمد بن علي بن الحسين فسبوا أبا بكر وعمر وعثمان فأكثروا، فقال لهم : أمن المهاجرين الأولين أنتم، فقالوا : لا فقال : من الذين تبؤوا الدار والإيمان، قالوا : لا قال : فقد تبرأتم من هذين الفريقين، أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله تعالى :﴿والذين جاؤوا من بعدهم﴾ قوموا فعل الله بكم وفعل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦١
تنبيه : هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة رضى الله تعالى عنهم أجمعين، لأنه جعل لمن بعدهم حظاً في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم، ومن أبغضهم أو واحداً منهم، أو اعتقد فيهم شراً أنه لا حق له في الفيء.
قال مالك : من كان يبغض أحداً من أصحاب رسول الله ﷺ أو كان في قلبه لهم غل فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ ﴿والذين جاؤوا من بعدهم﴾ الآية، وهي عامة في جميع التابعين الآتين بعدهم إلى يوم القيامة. يروى أنّ النبيّ ﷺ خرج إلى المقبرة فقال :"السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت لو رأيت إخواننا، فقالوا : يا رسول الله ألسنا إخوانك، فقال رسول الله ﷺ بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض" فبين ﷺ أن أخوانه كان من أتى بعدهم كما قال السدي والكلبي : إنهم الذي هاجروا بعد ذلك، وعن الحسن أيضاً : أنّ الذين جاؤوا من بعدهم من قصد إلى النبيّ ﷺ إلى المدينة بعد انقطاع الهجرة، وإنما بدؤوا في الدعاء بأنفسهم لقوله ﷺ "ابدأ بنفسك" وقال الشعبي : تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، سألت اليهود من خير أهل ملتكم فقالوا : أصحاب موسى، وسألت الأنصار من خير أهل ملتكم فقالوا : أصحاب عيسى، وسألت الرافضة من شر أهل ملتكم فقالوا : أصحاب محمد ﷺ أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم. وعن عائشة قالت سمعت رسول الله
٢٦٦
صلى الله عليه وسلم يقول :"لا تذهب هذه الأمّة حتى يلعن آخرها أوّلها" أعاذنا الله تعالى ومحبينا من الأهواء المضلة ﴿ولا تجعل في قلوبنا غلاً﴾ أي : ضغناً وحسداً وحقداً، وهو حرارة وغليان يوجب الانتقام ﴿للذين آمنوا﴾ أي : أقروا بالإيمان وإن كانوا في أدنى درجاته وقيدوا بالقلب لأنّ رذائل النفس قل أن تنفك، وأنها إن كانت مع صحة القلب أو شك أن لا تؤثر ﴿ربنا﴾ أي : أيها المحسن إلينا بتعليم ما لم نكن نعلم، وأكدوا إعلاماً بأنهم يعتقدون ما يقولون بقولهم :﴿إنك رؤوف﴾ أي : راحم أشد الرحمة لمن كانت له بك وصلة بفعل من أفعال الخير ﴿رحيم﴾ مكرم غاية الإكرام لمن أردت، ولو لم يكن له وصلة فأنت جدير بأن تجيبنا لأنا بين أن تكون لنا وصلة فنكون من أهل الرأفة، أو لا فنكون من أهل الرحمة.
فقد أفادت هذه الآية أن من كان في قلبه غلّ على أحد من الصحابة فليس ممن عنى الله تعالى بهذه الآية. وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة والكسائي بكسر الهمزة، والباقون بمدها
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦١
ولما ذكر حال المؤمنين اتبعهم بذكر حال المنافقين فقال تعالى :﴿ألم تر﴾ أي : تعلم علماً هو في غاية الجزم كالمشاهدة يا أعلى الخلق، وبين بعدهم عن جنابه العالي ومنصبه الشريف العالي بأداة الانتهاء فقال تعالى :﴿إلى الذين نافقوا﴾ أي : أظهروا غيرما أضمروا وبالغوا في إخفاء عقائدهم، وهم عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه، قالوا : والنفاق لفظ إسلامي لم تكن العرب تعرفه قبله، وهو استعارة من الضب في نافقائه وقاصعائه وصور حالهم بقوله تعالى :﴿يقولون لأخوانهم الذين كفروا﴾ أي : غطوا أنوار المعارف التي دلتهم على الحق ﴿من أهل الكتاب﴾ وهم اليهود من بني قريظة والنضير. والأخوان هم الأخوة، وهي هنا تحتمل وجوهاً :
أحدها : الأخوة في الآخرة لأنّ اليهود والمنافقين اشتركوا في عموم الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم
وثانيها : الأخوة بسبب المصادقة والموالاة والمعاونة.


الصفحة التالية
Icon