﴿ليدخل﴾ متعلق بمحذوف أي : أمر بالجهاد ليدخل ﴿المؤمنين والمؤمنات﴾ الذين جبلتهم جبلة خير بجهاد بعضهم ودخول بعضهم في الدين بجهاد المجاهدين، ولو سلط على الكفار جنوده من أوّل الأمر فأهلكوهم أو دمّر عليهم بغير واسطة لفات دخول أكثرهم الجنة، وهم من آمن منهم بعد صلح الحديبية ﴿جنات﴾ أي بساتين لا يصل إلى عقولكم من وصفها إلا ما تعرفونه بعقولكم وإن كان الأمر أعظم من ذلك ﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ فأي موضع أردت أن تجري منه نهراً قدرت على ذلك ؛ لأنّ الماء قريب من وجه الأرض مع صلابتها وحسنها ﴿خالدين فيها﴾ أي لا إلى آخر، فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى ذكر في بعض المواضع المؤمنين والمؤمنات وفي بعضها اكتفى بذكر المؤمنين ودخلت المؤمنات فيهم كقوله تعالى :﴿قد أفلح المؤمنون﴾ (المؤمنون : ١)
وقوله تعالى :﴿وبشر المؤمنين﴾ (البقرة : ٢٢٣)
أجيب بأنه في المواضع التي فيها ما يوهم اختصاص المؤمنين بالخير الموعود به مع مشاركة المؤمنات لهم ذكرهنّ الله تعالى صريحاً وفي المواضع التي فيها ما لا يوهم ذلك اكتفى بدخولهم في المؤمنين كقوله تعالى :﴿وبشر المؤمنين﴾ ولما كان ههنا قوله تعالى :﴿ليدخل المؤمنين﴾ متعلقاً بالأمر بالقتال والمرأة لا تقاتل فلا تدخل الجنة الموعود بها فصرح الله تعالى بذكرهنّ ﴿ويكفر﴾ أي يستر ستراً بليغاً ﴿عنهم سيئاتهم﴾ فلا يظهرها، فإن قيل : تكفير السيئات قبل الإدخال فكيف ذكره بعده أجيب بأنّ الواو لا تقتضي الترتيب بأنّ تكفير السيئات والمغفرة من توابع كون المكلف من أهل الجنة فقدم الادخال في الذكر بمعنى أنه من أهل الجنة ﴿وكان ذلك﴾ أي : الإدخال والتكفير ﴿عند الله﴾ أي : الملك الأعظم ذي الجلال والإكرام ﴿فوزاً عظيماً﴾ لأنه منتهى ما يطلب من جلب نفع ودفع ضر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣
تنبيه :﴿عند﴾ متعلق بمحذوف على أنه حال من ﴿فوزاً﴾ ولما كان من أعظم الفوز إقرار العين بالانتقام من العدوّ وكان العدوّ الكاتم أشدّ من المجاهر المراغم. قال تعالى :
﴿ويعذب المنافقين﴾ المخفين للكفر المظهرين الإيمان أي : فيزيل كل ما لهم من العذوبة ﴿والمنافقات﴾ لما غاظهم من ازدياد الإيمان ﴿والمشركين والمشركات﴾ أي : المظهرين الكفر للمؤمنين وقدّم المنافقين على المشركين في كثير من المواضع ؛ لأنهم كانوا أشدّ على المؤمنين من الكفار المجاهرين ؛ لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر ويخالط المنافق لظنه إيمانه وكان يفشي أسراره وإلى هذا أشار النبي ﷺ بقوله "أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك" ولهذا قال الشاعر :
٢٤
*احذر عدوّك مرّة ** واحذر صديقك ألف مرّة*
*فلربما انقلب الصدي ** ق فكان أخبر بالمضرّة*
وقوله تعالى :﴿الظانين بالله﴾ أي : المحيط بصفات الكمال صفة للفريقين وأما قوله تعالى ﴿ظنّ السوء﴾ فقال أكثر المفسرين : هو أن لا ينصر محمداً ﷺ والمؤمنين، ولا يرجعهم إلى مكة ظافرين ﴿عليهم دائرة السوء﴾ أي : دائرة ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم لا يتخطاهم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : بضم السين والباقون بالفتح. وهما لغتان كالكره والكره والضعف والضعف من ساء إلا أنّ المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمّه من كل شيء، وأمّا السوء فجار مجرى الشرّ الذي هو نقيض الخير ﴿وغضب الله﴾ أي : الملك الأعظم بما له من صفات الجلال والجمال فاستعلى غضبه ﴿عليهم﴾ وهو أنه تعالى يعاملهم معاملة الغضبان بما لا طاقة لهم به ﴿ولعنهم﴾ أي : طردهم طرداً أنزلوا به أسفل السافلين فبعدوا به عن كل خير ﴿وأعد﴾ أي : هيأ ﴿لهم﴾ الآن ﴿جهنم﴾ تلقاهم بالعبوسة والتغيظ والزفير والتجهم كما كانوا يتجهمون عباد الله مع ما فيها من العذاب والحرّ والبرد والإحراق وغير ذلك من أنواع المشاق ﴿وساءت﴾ أي : جهنم ﴿مصيراً﴾ أي : مرجعاً. وقوله تعالى :
﴿ولله﴾ أي : الملك الأعظم ﴿جنود السموات والأرض﴾ تقدم تفسيره.
وفائدة الإعادة التأكيد وجنود السموات والأرض منهم من هو للرحمة، ومنهم من هو للعذاب وقدّم ذكر جنود السموات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة ليكون مع المؤمنين ملائكة الرحمة فتبشرهم على الصراط وعند الميزان، فإذا دخلوا الجنة أفضوا إلى جوار الله تعالى ورحمته والقرب منه فلا حاجة لهم بعد ذلك إلى شيء وأخرّ ذكر جنود السموات والأرض بعد ذكر تعذيب الكفار والمنافقين ليكون معهم جنود السخط فلا يفارقونهم أبداً كما قال تعالى ﴿عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم﴾ (التحريم : ٦)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣
فإن قيل : قال الله تعالى ﴿وكان الله عليماً حكيماً﴾ (النساء : ١٧)


الصفحة التالية
Icon