تنبيه : الإطفاء هو الإخماد يستعملان في النار وفيما يجري مجراها من الضياء والظهور، ويفرق بين الإطفاء والإخماد من حيث إن الإطفاء يستعمل في القليل، فيقال : أطفأت السراج، ولا يقال : أخمدت السراج، وفي هذه اللام أوجه : أحدها : أنها تعليلية كما مر، ثانيها : أنها مزيدة في
٢٩٥
مفعول الإرادة، وقال الزمخشري : أصله يريدون أن يطفئوا كما في سورة التوبة، وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة توكيداً له، لما فيها من معنى الإرادة في قولك : جئتك لإكرامك، كما زيدت اللام في : لا أب لك تأكيداً لمعنى الإضافة في لا أباك.
قال الماوردي : وسبب نزول هذه الآية ما حكاه عطاء عن ابن عباس :"أن النبي ﷺ أبطأ عليه الوحي أربعين يوماً، فقال كعب بن الأشرف : يا معشر يهود أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه وما كان ليتم أمره، فحزن رسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى هذه الآية"، واتصل الوحي بعدها واختلف في المراد بالنور، فقال ابن عباس : هو القرآن، أي : يريدون إبطاله وتكذيبه بالقول. وقال السدي : الإسلام، أي : يريدون رفعه بالكلام. وقال الضحاك : إنه محمد ﷺ أي : يريدون هلاكه بالأراجيف وقال ابن جريج : حجج الله تعالى ودلائله، يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذيبهم. وقيل : إنه مثل مضروب، أي : من أراد إطفاء نور الشمس بفيه فوجده مستحيلاً ممتنعاً، كذلك من أراد إطفاء الحق ﴿والله﴾ أي : الذي لا مدافع له لتمام عظمته ﴿متم نوره﴾ فلا يضره ستر أحد له بتكذيبه ولا إرادة إطفائه، وزاد ذلك بقوله تعالى :﴿ولو كره﴾ أي : إتمامه له ﴿الكافرون﴾ أي : الراسخون في جهة الكفر المجتهدون في المحاماة عنه.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٥
هو﴾ أي : الذي ثبت أنه جامع لصفات الكمال والجلال وحده من غير أن يكون له شريك أو وزير ﴿الذي أرسل رسوله﴾ أي : الحقيق بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى ﴿بالهدى﴾ أي : البيان الشافي بالقرآن والمعجزة ﴿ودين الحق﴾ أي : والملة الحنيفية ﴿ليظهره﴾ أي : يعليه مع الشهرة وإذلال المنازع ﴿على الدين﴾ أي : جنس الشريعة التي ستجعل ليجازى من يسلكها ومن يزغ عنها بما يشرع فيها من الأحكام ﴿كله﴾ فلا يبقى دين إلا كان دونه، وانمحق به وذل أهله ذلاً لا يقاس به ذل ﴿ولو كره﴾ أي : إظهاره ﴿المشركون﴾ أي : المعاندون في كفرهم الراسخون في سلك المعاندة.
فإن قيل : قال أولاً :﴿ولو كره الكافرون﴾، وقال ثانياً :﴿ولو كره المشركون﴾، فما الحكمة في ذلك ؟
أجيب : بأنه تعالى أرسل رسوله، وهو من نعم الله تعالى، والكافرون كلهم في كفران النعم سواء فلهذا قال ﴿ولو كره الكافرون﴾ لأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك فالمراد من الكافرين هنا اليهود والنصارى والمشركون، فلفظ الكافر أليق به. وأما قوله تعالى :﴿ولو كره المشركون﴾ فذلك عند إنكارهم التوحيد وإصرارهم عليه، لأنه ﷺ في ابتداء الدعوة أمر بالتوحيد بلا إله إلا الله فلم يقولوها، فلهذا قال :﴿ولو كره المشركون﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٥
واختلف في سب نزول قوله تعالى :﴿يأيها الذين آمنوا﴾ أي : أقروا بالإيمان ﴿هل أدلكم﴾ أي : وأنا المحيط علماً وقدرة فهي إيجاب في المعنى، ذكر بلفظ الاستفهام تشريفاً ليكون أوقع في النفس ﴿على تجارة تنجيكم من عذاب أليم﴾ أي : مؤلم فقال مقاتل : نزلت في عثمان بن مظعون قال :"يا رسول الله لو أذنت لي طلقت خولة، وترهبت واختصيت، وحرمت
٢٩٦
اللحم، ولا أنام بليل أبداً، ولا أفطر بنهار، فقال ﷺ إن من سنتي النكاح، ولا رهبانية في الإسلام إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله، وخصاء أمتي الصوم، ولا تحرموا طيبات ما احل الله لكم، ومن سنتي أنام وأقوم وأفطر وأصوم فمن رغب عن سنتي فليس مني، فقال عثمان : والله لوددت يا رسول الله أيّ التجارة أحب إلى الله تعالى فأتجر فيها، فنزلت" وقيل : أدلكم، أي : سأدلكم، والتجارة : الجهاد، قال الله تعالى :﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم﴾ (التوبة : ١١١)
الآية، وهذا خطاب لجميع المؤمنين. وقيل : نزل هذا حين قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملنا به. قال البغوي : وجعل هذا بمنزلة التجارة لأنهم يربحون بها رضا الله تعالى، ونيل جنته والنجاة من النار وقرأ ابن عامر بفتح النون وتشدد الجيم، والباقون بسكون النون وتخفيف الجيم