وروى سهل بن سعد الساعدي أن النبي ﷺ قال "إن في أصلاب أمتي رجالاً ونساء يدخلون الجنة بغير حساب، ثم تلا ﴿وآخرين منهم لما يلحقوا بهم﴾" قال ابن عادل : والقول الأول أثبت. وروي أن النبي ﷺ قال :"رأيتني أسقي غنماً سوداً، ثم أتبعتها غنماً عقراً أولها يا أبا بكر، قال : يا نبي الله أما السود فالعرب، وأما العقر فالعجم تتبعك بعد العرب، فقال النبي ﷺ كذلك أولها الملك يعني جبريل عليه الصلاة والسلام" رواه ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي ﷺ وهو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. ﴿وهو﴾ أي : والحال أنه وحده ﴿العزيز﴾ أي : الذي يقدر على كل ما أراده، ولا يغلبة شيء فهو يزكي من يشاء ويعلمه ما أراد من أي طائفة كان، ولو كان أجهل أهل تلك الطائفة لأن الأشياء كلها بيده ﴿الحكيم﴾ فهو إذاً أراد شيئاً موافقاً لشرعه وأمره جعله على أتقن الوجوه وأوثقها، فلا يستطاع نقضه ومهما أراده كيف كان فلا بد من إنفاذه فلا يطاق ردة بوجه.
ولما كان هذا أمراً باهراً عظمه بقوله تعالى على وجه الاستثمار من قدرته :
﴿ذلك﴾ الأمر العظيم الرتبة من تفضيل الرسول وقومه، وجعلهم متبوعين بعد أن كان العرب أتباعاً لا وزن لهم عند غيرهم من الطوائف ﴿فضلُ الله﴾ أي : الذي له جميع صفات الكمال والفضل ما لم يكن مستحقاً بخلاف الفرص ﴿يؤتيه من يشاء﴾ قال ابن عباس : حيث ألحق العجم بقريش، وقال الكلبي : يعني الإسلام فضل الله يؤتيه من يشاء، وقال مقاتل : يعني الوحي والنبوة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٠
وقيل : إنه المال ينفق في الطاعة لما روى أبو صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله ﷺ فقالوا : ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال : وما ذاك ؟
فقالوا : يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا
٣٠٢
نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله ﷺ "أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم، قالوا : بلى يا رسول الله، قال : تسبحون، وتكبرون، وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة، قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله ﷺ فقالوا : سمع إخواننا من أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله ﷺ "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" وقيل : إنه انقياد الناس إلى تصديق النبي ﷺ ودخولهم في دينه ونصرته ﴿والله﴾ الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿ذو الفضل العظيم﴾.
ولما ترك اليهود العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد ﷺ ضرب الله تعالى لهم مثلاً بقوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٠
﴿مثل الذين حملوا التوراة﴾ أي : كلفوا وألزموا حمل الكتاب الذي آتاه الله تعالى لبني إسرائيل على لسان موسى عليه الصلاة والسلام، بأن علمهم إياها سبحانه وكلفهم حفظ ألفاظها عن التغيير والنسيان ومعانيها عن التحريف والتلبيس، وحدودها وأحكامها عن الإهمال والتضييع ﴿ثم لم يحملوها﴾ أي : بأن حملوا ألفاظها ولم يعملوا بما فيها من الوصية باتباع عيسى عليه الصلاة والسلام إذا جاءهم، ثم بمحمد ﷺ إذا جاء فهي ضارة لهم بشهادتها عليهم فإذا لهم النار من غير نفع أصلاً ﴿كمثل﴾ أي : مثلهم مثل ﴿الحمار﴾ أي : الذي هو أبلد الحيوان فهو مثل في الغباوة حال كونه ﴿يحمل أسفاراً﴾ أي : كتباً كباراً من كتب العلم جمع سفر، وهو الكتاب الكبير المسفر عما فيه، في عدم الانتفاع بها لأنه يمشي ولا يدري منها إلا ما يضر بجنبيه وظهره من الكد والتعب، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله ومثل ذلك قول الشاعر :
*زوامل للأسفار لا علم عندهم ** بجيدها إلا كعلم الأباعر*
*لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ** بأحماله أو راح ما في الغرائر*
من إنشاد الشيخ ابن الخباز. ﴿بئس مثل القوم﴾ أي : الذين لهم قوة شديدة على محاولة ما يريدون ﴿الذين كذبوا﴾ أي : محمداً على علم ﴿بآيات الله﴾ أي : دلالات الملك الأعظم على رسوله، ولاسيما محمد ﷺ والمخصوص بالذم محذوف تقديره : هذا المثل ﴿والله﴾ أي : الذي له جميع صفات الكمال ﴿لا يهدي القوم﴾ أي : لا يخلق الهداية في قلوب الذين تعمدوا الزيغ ﴿الظالمين ﴾ أي : الذين تعمدوا الظلم بمنابذة الهدى الذي هو البيان، الذي لم يدع لبساً حتى صار الظلم لهم صفة راسخة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٣
ولما ادعت اليهود الفضيلة وقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه نزل قوله تعالى :
﴿قل﴾ أي : يا أشرف الرسل ﴿يا أيها الذين هادوا﴾ أي : تدينوا باليهودية ﴿إن زعمتم﴾ أي : قلتم قولاً هو معرض للتكذيب، ولذلك أكذبتموه ﴿إنكم أولياء لله﴾ أي : الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه خصكم


الصفحة التالية
Icon