قال الماوردي : أما الأذان الأول فمحدث فعله عثمان بن عفان ليتأهب الناس لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها، وكان عمر أمر أن يؤذن في السوق قبل المسجد ليقوم الناس عن سوقهم، فإذا اجتمعوا أذن في المسجد فجعله عثمان أذانين في المسجد. قال ابن العربي : وفي الحديث الصحيح :"أن الأذان كان على عهد رسول الله ﷺ واحداً، فلما كان زمن عثمان زاد النداء الثالث على الزوراء"، وسماه في الحديث ثالثاً لأنه أضافه إلى الإقامة، كقوله ﷺ "بين كل إذانين صلاة لمن شاء" يعني : الأذان والإقامة، وتوهم بعض الناس أنه أذان أصلي فجعلوا
٣٠٥
المؤذنين ثلاثة. قال ابن عادل : فكان وهماً، ثم جمعوهم في وقت واحد فكان وهماً على وهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٥
واختلفوا في تسمية هذا اليوم جمعة فمنهم من قال : لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم عليه الصلاة والسلام. روى مالك عن أبن هريرة أن رسول الله ﷺ قال "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه الصلاة والسلام، وفيه أهبط، وفيه مات وفيه تاب الله عليه، وفيه تقوم الساعة، وهو عند الله يوم المزيد" وروي أنه ﷺ قال :"أتاني جبريل وفي كفه مرآة بيضاء، وقال : هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولأمتك من بعدك، وهو سيد الأيام عندنا، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد" ومنهم من قال : لأن الله تعالى فرغ من خلق الأشياء فاجتمعت فيه المخلوقات، ومنهم من قال : لاجتماع الجماعات فيه للصلاة، وقيل : أول من سمى هذا اليوم جمعة كعب بن لؤي.
قال أبو سلمة : أول من قال أما بعد : كعب بن لؤي، وكان أول من سمى الجمعة جمعة، وكان يقول له : يوم العروبة. وعن ابن سيرين قال : جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي ﷺ، وقبل أن تنزل الجمعة وهم الذين سموها الجمعة. وقيل : إن الأنصار قالوا لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى مثل ذلك، فهلموا نجعل لنا يوماً نجتمع فيه فنذكر الله تعالى فيه ونصلي، فقالوا : يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين، وذكرهم فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه، ثم أنزل الله تعالى آية الجمعة فهي أول جمعة كانت في الإسلام.
وروي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة، فقلت له : إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة، قال : لأنه أول من جمع بنا في هزم النبت من حرة بني بياضة في بقيع يقال له : بقيع الخضمان، قلت له : كم كنتم يومئذٍ، قال : أربعين" أخرجه أبو داوود.
وأما أول جمعة جمعها النبي صلى الله عيه وسلم بأصحابه، فقال أهل السير : لما قدم النبي ﷺ مهاجراً نزل قباء على بني عمرو بن عوف يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، حين اشتد الضحى ومن تلك السنة يعد التاريخ، فأقام بها إلى يوم الخميس وأسس مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة عامداً المدينة، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجداً، فجمع بهم وخطب وهي أول خطبة خطبها بالمدينة.
وقال فيها :"الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره، وأستهديه وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفر به، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق، والنور والموعظة، والحكمة على فترة من الرسل، وقلة من العلم،
٣٠٦
وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة وقرب من الأجل. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وفرط، وضل ضلالاً بعيداً أوصيكم بتقوى الله فإن خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، واحذروا ما حذركم الله من نفسه فإن تقوى الله لمن عمل بها على وجل ومخافة من ربه عنوان صدق على ما تبغون من الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي به إلا وجه الله يكون له ذكراً في عاجل أمره، وذخراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم، و ما كان مما سوى ذلك ﴿يود لو أن بينه وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد﴾ (آل عمران : ٣٠)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٥
وهو الذي صدق قوله وأنجز وعده لا خلف لذلك، فإنه يقول :﴿ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد﴾ (ق : ٢٩)
فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية، فإنه من يتق الله يكفر عن سيئاته ويعظم له أجراً ﴿ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾ (الأحزاب : ٧١)


الصفحة التالية
Icon