ثم إنّ الله تعالى زاد في الترغيب بالرضا منهم باليسير بقوله تعالى :﴿مما رزقناكم﴾ أي : بعظمتنا. قال الزمخشري : من في ﴿مما رزقناكم﴾ للتبعيض، والمراد الإنفاق الواجب ا. ه. ثم قال تعالى محذراً من الاغترار بالتسويف في أوقات السلامة :﴿من قبل أن يأتي أحدكم الموت﴾ أي : يرى دلائله وأماراته وكل لحظة مرّت فهي دلائله وأماراته. قال القرطبي : وهذا دليل على وجوب تعجيل إخراج الزكاة، ولا يجوز تأخيرها أصلاً، أي : بلا عذر، وكذا سائر العبادات إذا دخل وقتها. وقال الرازي : وبالجملة فقوله تعالى :﴿لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله﴾ تنبيه على المحافظة على الذكر قبل الموت، وقوله تعالى :﴿وأنفقوا مما رزقناكم﴾ تنبيه على الشكر كذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٩
ولما كانت الشدّة تقتضي الإقبال إلى الله تعالى سبب عن ذلك قوله تعالى :﴿فيقول﴾ أي : سائلاً في الرجعة، وأشار إلى ترقيقها للقلوب بقوله :﴿رب لولا﴾ أي : هلا ولم لا ﴿أخرتني﴾ أي : أخرت موتي إمهالاً ﴿إلى أجل﴾ أي : زمان، وقوله ﴿قريب﴾ بين به أن مراده استدراك ما فات ليس إلا، وقيل : لا زائدة ولو للتمني أي : لو أخرتني إلى أجل قريب ﴿فأصدّق﴾ أي : للتزوّد في سفري هذا الطويل الذي أنا مستقبله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : تصدّقوا قبل أن ينزل عليكم سلطان الموت، فلا تقبل توبة ولا ينفع عمل. وعنه : ما يمنع أحدكم إذا كان له مال أن يزكي، وإذا أطاق الحج أن يحج من قبل أن يأتيه الموت، فيسأل ربه الكرة فلا يعطاها. وعنه : أنها نزلت في مانعي الزكاة، ووالله لو رأى خيراً ما سأل الرجعة، فقيل له : أما تتقي الله يسأل المؤمنون الكرّة، قال : نعم أنا أقرأ عليكم قرآناً يعني : أنها نزلت في المؤمنين، وهم المخاطبون بها. وكذا عن الحسن : ما من أحد لم يزك، ولم يصم، ولم يحج إلا سأل الرجعة. وقال الضحاك : لا ينزل بأحد لم يحج ولم يؤدّ الزكاة الموت إلا وسأل الرجعة، وعن عكرمة : نزلت في أهل القبلة.
وقيل : نزلت في المنافقين، ولهذا نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال هذه الآية تدل على أنّ القوم لم يكونوا من أهل التوحيد، لأنه لا يتمنى الرجوع إلى الدنيا والتأخير فيها أحد له عند الله تعالى خير في الآخرة، أي : إذا لم يكن بالصفة المتقدمة. قال القرطبي : إلا الشهيد فإنه يتمنى الرجوع حتى يقتل لما يرى من الكرامة. وقرأ ﴿وأكون من الصالحين﴾ أي : العريقين في هذا الوصف بالتدارك أبو عمرو بواو بعد الكاف ونصب النون عطفاً على فأصدّق، والباقون بحذف الواو لالتقاء الساكنين وجزم النون.
واختلفت عبارات الناس في ذلك، فقال الزمخشري : عطفاً على محل فأصدّق، كأنه قيل : إن أخرتني أصدق وأكن. وقال ابن عطية : عطفاً على الموضع لأنّ التقدير : إن أخرتني أصدّق
٣٢٠
وأكن، هذا مذهب أبي عليّ الفارسي. وقال القرطبي : عطفاً على موضع الفاء لأنّ قوله :﴿فأصدّق﴾ لو لم تكن الفاء لكان مجزوماً، أي : أصدّق.
ثم زاد تعالى في الحث على المبادرة بالطاعات قبل الفوات بقوله تعالى مؤكداً لأجل عظم الرجاء من هذا المحتضر بالتأخير عاطفاً على ما، تقديره : فلا يؤخره الله فيفوته ما أراد :
﴿ولن يؤخر الله﴾ أي : الملك الأعظم الذي لا كفء له فلا اعتراض عليه ﴿نفساً﴾ أيّ نفس كانت، وحقق الأجل بقوله تعالى :﴿إذا جاء أجلها﴾ أي : وقت موتها الذي حدّه الله تعالى لها فلا يؤخر الله تعالى نفس هذا القائل، لأنها من جملة النفوس التي شملها النفي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٩
وقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المدّ والقصر، وقرأ ورش وقنبل بتسهيل الثانية بعد تحقيق الأولى، ولهما أيضاً إبدالها ألفاً، والباقون بتحقيقهما ﴿والله﴾ أي : الذي له الإحاطة الشاملة علماً وقدرة ﴿خبير﴾ أي : بالغ الخبرة والعلم ظاهراً وباطناً ﴿بما تعملون﴾ أي : توقعون عمله في الماضي والحال والمآل كله باطنه وظاهره.
وقرأ شعبة بالياء التحتية على الغيبة على الخبر عمن مات، وقال هذه المقالة، والباقون بالفوقية على الخطاب. وما قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه ﷺ قال :"من قرأ سورة المنافقين بريء من النفاق" حديث موضوع.
٣٢١
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٩