"إن من أبغض الحلال إلى الله الطلاق" وعن علي عن النبي ﷺ قال :"تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتز منه العرش" وعن أبي موسى قال : قال رسول الله ﷺ "يا معاذ ماخلق الله تعالى شيئاً على وجه الأرض أحب إليه من العتاق، ولا خلق الله تعالى شيئاً أبغض إليه من الطلاق" وعن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله ﷺ "ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق" واختلفوا في الاستثناء في الطلاق والعتق، فقالت طائفة بجوازه، وهو مروي عن طاووس، وبه قال حماد الكوفي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وقال مالك والأوزاعي : لا يجوز الاستثناء في الطلاق والعتق. وقال قتادة : لا يجوز الاستثناء في الطلاق خاصة. قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥
ولما كان نظر الشارع إلى العدة شديداً صرح بصيغة الأمر فقال تعالى :﴿وأحصوا﴾ أي : اضبطوا ضبطاً كأنه في إتقانه محسوس ﴿العدة﴾ ليعرف زمان الرجعة والنفقة والسكنى، وحل النكاح لأخت المطلقة مثلاً ونحو ذلك من الفوائد الجليلة ﴿واتقوا﴾ أي : في ذلك ﴿الله﴾ أي : الملك الأعظم الذي له الخلق والأمر ﴿ربكم﴾ أي : لإحسانه في تربيتكم في حملكم علي الحنيفية السمحة ورفع جميع الآصار عنكم ﴿لا تخرجوهن﴾ أي : أيها الرجال في حال العدة ﴿من بيتوهن﴾ أي : المسكن التي وقع الفراق فيها، وهي مساكنهن التي يسكنها قبل العدة، وهي بيوت الأزواج، وأضيفت إليهن لاختصاصها بهن من حيث السكنى.
وقرأ ورش وأبو عمر وحفص بضم الباء الموحدة، والباقون بكسرها ﴿ولا يخرجن﴾ أي : من بيتوهن حتى تنقضي عدتهن ولو وافق الزوج على ذلك، وعلى الحاكم المنع منه لأن في العدة حقاً لله تعالى، وقد وجبت في ذلك المسكن. وقوله تعالى :﴿إلا أن يأتين بفاحشة مبينة﴾ مستثنى من الأول، والمعنى إلا أن تبدو على الزوج فإنه كالنشوز في إسقاط حقها.
وقال ابن عباس : الفاحشة المبينة أن تبدو على أهل زوجها فيحل إخراجها لسوء خلقها وقال ابن مسعود : أراد بالفاحشة المبينة أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها، ثم ترد إلى منزلها. وقال قتادة : الفاحشة النشوز، وذلك أن يطلقها على النشوز فتحوّل عن بيته. ويجوز أن يكون مستثنى من الثاني للمبالغة في النهي والدلالة على أن خروجها فاحشة هذا كله عند عدم العذر، أما لعذر كشراء غير من لها نفقة على المفارق نحو طعام كقطن وكتان نهاراً، وغزلها ونحوه كحديثها وتأنيسها عند جارتها ليلاً وترجع وتبيت ببيتها، فإنه جائز للحاجة إلى ذلك، وكخوف على نفس أو مال من نحو هدم وغرق وفسقة مجاورين لها وشدة تأذيها بجيران وشدة تأذيهم بها للحاجة إلى ذلك، بخلاف الأذى اليسير إذ لا يخلو منه أحد ومن الجيران الإحماء وهم أقارب الزوج، نعم إن اشتد أذاها بهم أو عكسه وكانت الدار ضيقة نقلهم الزوج عنها وخرج بالجيران ما لو طلبت بيت أبويها وتأذت بهما
٣٣٦
أو هما بها فلا نقل، لأن الوحشة لا تطول بينهما، ولو انتقلت لبلد أو مسكن بإذن زوجها فوجبت العدة، ولو قبل وصولها إليه اعتدت فيه لأنها مأمورة بالمقام فيه، فإن انتقلت لذلك بلا إذن فتعتد في الأول وإن وجبت العدة بعد وصولها للثاني لعصيانها بذلك. نعم إن أذن لها بعد انتقالها أن تقيم في الثاني فكما لو انتقلت بالإذن.
ولو أذن لها في الانتقال فوجبت العدة قبل خروجها اعتدت في الأول. ولو سافرت بإذن زوجها فوجبت في الطريق فعودها أولى من مضيها، فإن مضت وجب عودها بعد انقضاء حاجتها إن سافرت لها، أو بعد انقضاء مدة الأذن إن قدر لها مدة، أو مدة إقامة المسافر إن لم تقدر لها مدة في سفر غير حاجتها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥
ولو خرجت فطلقها وقال : ما أذنت في الخروج، أو قال ـ وقد قالت : أذنت في نقلتي : أذنت لا لنقله، صدق بيمينه، ولو كان المسكن ملكاً له ويليق بها تعين ؛ لأن تعتد فيه كما مر ويصح بيعه في عدة أشهر كالمكتري، أو كان مستعاراً، أو مكري وانقضت مدة الكراء انتقلت منه إن امتنع المالك، وإن كان ملكاً لها تخيرت بين الاستمرار فيه بإعارة أو إجارة والانتقال منه كما لو كان المسكن خسيساً، ويخير هو إن كان نفيساً وسكنى المعتدة عن فرقة واجب على الزوج حيث تجب نفقتها عليه لو لم تفارق، سواء أكانت الفرقة بطلاق أو فسخ أو وفاة لقوله تعالى :﴿أسكنوهن من حيث سكنتم﴾ (الطلاق : ٦)
وقيس به الفسخ بأنواعه بجامع فرقة النكاح في الحياة، ولخبر فريعة بنت مالك في الوفاة :"أن زوجها قتل فسألت النبي ﷺ أن ترجع إلى أهلها، وقالت : إن زوجي لم يتركني في منزل يملكه، فأذن لها في الرجوع، قالت : فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد، دعاني فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً" صححه الترمذي وغيره.