تنبيه : الآية تفهم أن من لم يتق الله يقتر عليه، وهو موافق لما روى أنه ﷺ قال :"لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الزرق بالذنب يصيبه". وتفهم أن من لم يتوكل لم يكف شيئاً من الأشياء.
وقال عبد الله بن رافع : لما نزل قوله تعالى :﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾ قال أصحاب النبي ﷺ فنحن إذا توكلنا عليه نرسل ما كان لنا ولا نحفظه، فنزل ﴿إن الله بالغ أمره﴾ فيكم وعليكم. وقال الربيع بن خيثم : إن الله قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له. وتصديق ذلك في كتاب الله ﴿ومن يؤمن بالله يهد قلبه﴾ (التغابن : ١١)
﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾ ﴿إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم﴾ (التغابن : ١٧)
﴿ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم﴾ (آل عمران : ١٠١)
﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان﴾ (البقرة : ١٨٦).
ولما بين تعالى أمر الطلاق والرجعة في التي تحيض، وكانوا قد عرفوا عدة ذوات الأقراء عرفهم في هذه السورة عدة التي لا ترى الدم. قال أبو عثمان عمر بن سليمان : نزلت عدة النساء في سورة البقرة في المطلقة والمتوفى عنها زوجها، قال أبي بن كعب : يا رسول الله إن ناساً يقولون قد بقي من النساء من لم يذكر فيهن شيء الصغار والكبار وذوات الحمل فنزل :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥
٣٤٢
﴿واللائي يئسن﴾ أي : من المطلقات ﴿من المحيض﴾ أي : الحيض الآية. وقال مقاتل : لما ذكر قوله تعالى :﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾ (البقرة : ٢٢٨)
قال خلاد بن النعمان : يا رسول الله فما عدة التي لم تحض وعدة التي انقطع حيضها وعدة الحبلى فنزلت، وقيل : إن معاذ بن جبل سأل عن عدة الكبيرة التي يئست فنزلت، وقال مجاهد : الآية واردة في المستحاضة لا تدري دم حيض هو أو دم علة. واختلف في سن اليأس فالذي عليه الأكثر أنه اثنان وستون سنة، وقيل : خمس وخمسون، وقيل : ستون، وقيل : سبعون.
ولما كان هذا الحكم خاصاً بأزواج المسلمين لحرمة فرشهم وحفظ أنسابهم قال تعالى :﴿من نسائكم﴾ أي : أيها المسلمون سواء كن مسلمات أو من أهل الكتاب ﴿إن ارتبتم﴾ أي : شككتم في عدتهن ﴿فعدتهن ثلاثة أشهر﴾ كل شهر يقوم مقام حيضة لأن أغلب عوائد النساء أن يكون كل قرء في شهر ﴿واللائي لم يحضن﴾ أي : لصغرهن أو لأنهن لا حيض لهن أصلاً، وإن كن بالغات فعدتهن ثلاثة أشهر أيضاً هذا كله في غير المتوفى عنهن أزواجهن، أما هن فعدتهن ما في آية ﴿يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً﴾ (البقرة : ٢٣٤)
وقرأ :﴿واللائي﴾ في الموضعين ابن عامر والكوفيون بالهمز وياء بعده، وقرأ قالون وقنبل بالهمز ولا ياء بعده، وللبزي وأبي عمرو أيضاً إبدال الهمزة ياء ساكنة مع المد لا غير.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٢
ولما فرغ من ذكر الحوائل أتبعه ذكر الحوامل بقوله تعالى :﴿وأولات الأحمال﴾ أي : من جميع الزوجات المسلمات والكافرات المطلقات والمتوفى عنهن ﴿أجلهن﴾ أي : لمنتهى العدة سواء كان لهن مع الحمل حيض أم لا ﴿أن يضعن حملهن﴾ وهذا على عمومه مخصص لآية ﴿يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً﴾ لأن المحافظة على عمومه أولى من المحافظة على عموم ذاك في قوله تعالى :﴿أزواجاً﴾ لأن عموم هذه بالذات لأن الموصول من صيغ العموم وعموم أزواجاً بالعرض لأنه بدل لا يصلح لجميع الأزواج في حال واحد، والحكم معلل هنا بوصف الحملية بخلاف ذاك، ولأن هذه الآية متأخرة النزول عن آية البقرة فتقديمها على تلك تخصيص، وتقديم تلك في العمل بعمومها رفع لما في الخاص من الحكم فهو نسخ، والأول هو الراجح للوفاق، ولأن سبيعة بنت الحارث وضعت حملها بعد وفاة زوجها بليالٍ فأذن لها النبي ﷺ أن تتزوج.
تنبيه : إذا وضعت المرأة ما في بطنها من علقة أو مضغة حلت عند مالك، وقال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة : لا تحل إلا بوضع ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان، فإن كانت حاملاً بتوأمين لم تنقض عدتها حتى تضع الثاني منهما، ولابد أن يكون الحمل منسوباً لذي العدة، أما إذا كان من زنا فلا حرمة له والعدة بالحيض.
ولما كانت أمور النساء في المعاشرة والمفارقة في غاية المشقة كرر بالحث على التقوى إشارة إلى ذلك، وترغيباً في لزوم ما حده سبحانه فقال عاطفاً على ما تقديره فمن لم يحفظ هذه
٣٤٣
الحدود عسر الله تعالى عليه أموره :﴿ومن يتق الله﴾ أي : يوجد الخوف من الملك الأعظم إيجاداً مستمراً ليجعل بينهم وبين سخطه وقاية من طاعته، اجتلاباً للمأمور واجتناباً للمنهي.