جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩
لقد رضي الله} أي : الذي له الجلال والكمال ﴿عن المؤمنين﴾ أي : الراسخين في الإيمان أي فعل بهم فعل الراضي بما جعل لهم من الفتح وما قدّر لهم من الثواب وأفهم ذلك أنه لم يرض عن الكافرين فخذلهم في الدنيا مع ما أعدّ لهم في الآخرة فالآية تقرير لما ذكر من جزاء الفريقين بأمور مشاهدة وقوله تعالى ﴿إذ﴾ أي : حين ﴿يبايعونك﴾ منصوب برضى واللام في قوله تعالى ﴿تحت الشجرة﴾ للعهد الذهني وكانت شجرة في الموضع الذي كان النبيّ ﷺ نازلاً به في الحديبية ولأجل هذا الرضا سميت بيعة الرضوان وقصتها "أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام حين نزل الحديبية بعث جواس بن أمية الخزاعي رسولاً إلى أهل مكة فهموا به فمنعه الأحابيش واحدها حبوش وهو الفوج من قبائل شتى فلما رجع دعا عمر ليبعثه فقال : إني أخافهم على نفسي لما أعرف من عدواتي إياهم وما بمكة عدوي يمنعني ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني وأحب إليهم عثمان بن عفان فبعثه فخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحرمته فوقروه وقالوا : إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل فقال ما أفعل قبل أن يطوف به رسول الله ﷺ فاحتبس عندهم فأرجف أنهم قتلوه فقال رسول الله ﷺ لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة" روى البغوي من طريق الثعلبي "أنّ النبيّ ﷺ قال لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة" وقال سعيد بن المسيب : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله ﷺ تحت الشجرة قال فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها. وروي أنّ عمر مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال : أين كانت فجعل بعضهم يقول ههنا وبعضهم يقول ههنا فلما كثر اختلافهم قال سيروا قد ذهبت الشجرة. وروى جابر بن عبد الله قال :"قال لنا رسول الله ﷺ يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض وكنا ألفاً وأربعمائة ولو كنت اليوم مبصراً لأريتكم مكان الشجرة".
وقيل :"كان رسول الله ﷺ جالساً في أصل الشجرة وعلى ظهره غصن من أغصانها قال عبد الله بن المغفل : وكنت قائماً على رأسه وبيدي غصن من الشجرة أذب عنه فرفعت الغصن عن ظهره وبايعوه على الموت دونه على أن يفرّوا فقال لهم رسول الله ﷺ أنتم اليوم خير أهل الأرض" وكان عدد المبايعين ألفاً وخمسمائة وخمسة وعشرين. وروى سالم عن جابر قال : كنا خمس عشرة مائة. وقال عبد الله بن أبي أوفى : كنا أصحاب الشجرة ألفاً وثلاثمائة. ولما دل على إخلاصهم بما وصفهم سبب عنه قوله تعالى ﴿فعلم﴾ أي : بما له من الإحاطة ﴿ما في قلوبهم﴾ أي : من الصدق والوفاء فيما بايعوا عليه ﴿فأنزل السكينة﴾ أي الطمأنينة والأمن بسبب الصلح ﴿عليهم﴾ أو
٣١
بالتشجيع وسكون النفس في كل حالة ترضي الله ورسوله فلم يخافوا عاقبة القتال لما ندبوا إليه وإن كانوا في كثرة الكفار كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود ﴿وأثابهم﴾ أي : أعطاهم جزاء لهم على ما وهبوه من الطاعة ﴿فتحاً قريباً﴾ هو فتح خيبر عقب انصرافهم. وعن الحسن : فتح هجر، ونبه تعالى بصيغة منتهى الجموع في قوله تعالى.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩
ومغانم﴾ على أنها عظيمة ثم صرّح بذلك بقوله تعالى ﴿كثيرة تأخذونها﴾ وهي مغانم خيبر وكانت أرضاً ذات عقار وأموال، فقسمها رسول الله ﷺ بينهم ﴿وكان الله﴾ أي : الذي لا كفء له ﴿عزيزاً﴾ يغلب ولا يغلب ﴿حكيماً﴾ أي : يقضي ما يريد فلا ينقض فحكم لكم بالغنائم ولإعدائكم بالهلاك على أيديكم ليثيبكم عليه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩
﴿وعدكم الله﴾ أي : الملك الأعظم ﴿مغانم﴾ وحقق معناها بقوله تعالى :﴿كثيرة تأخذونها﴾ أي : فيما يأتي من بلدان شتى لا تدخل تحت حصر. وليس المغانم كل الثواب بل الجنة والنظر إلى وجهه الكريم قدّامهم. وإنما هي كعاجلة عجل بها ولهذا قال تعالى :﴿فعجل لكم﴾ أي : من الغنائم ﴿هذه﴾ أي : مغانم خيبر ﴿وكف أيدي الناس عنكم﴾ "وذلك أنّ النبيّ ﷺ لما قصد خيبر وحاصر أهلها همت قبائل من أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة فكف الله تعالى أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم فنكصوا" وقيل : أيدي أهل مكة بالصلح. وقوله تعالى :﴿ولتكون﴾ أي : هذه المعجلة عطف على مقدّر أي لتشكروه ولتكون ﴿آية﴾ أي : علامة في غاية الوضوح ﴿للمؤمنين﴾ أي : أنهم من الله تعالى بمكان أو صدق الرسول ﷺ في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه من الحديبية أو وعدهم الغنم أو عنواناً لفتح مكة.