﴿ويهديكم صراطاً﴾ أي : طريقاً ﴿مستقيماً﴾ أي : يثبتكم على الإسلام ويزيدكم بصيرة ويقيناً بصلح الحديبية وفتح خيبر. "وذلك أنّ رسول الله ﷺ لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرّم ثم خرج في سنة سبع إلى خيبر" روى أنس بن مالك "أنّ النبيّ ﷺ كان إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح ينظر فإن سمع أذاناً كف عنهم وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم قال فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلاً فلما أصبح ولم يسمع أذاناً ركب وركبنا وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم النبيّ ﷺ قال : فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله ﷺ قالوا : والله محمد والخميس أي الجيش فلما رآهم رسول الله ﷺ قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" وروى إياس بن سلمة قال : حدّثني أبي قال :"خرجنا إلى خبير مع رسول الله ﷺ قال فجعل عمي عامر يرنجز بالقوم ثم قال :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢
تالله لولا الله ما اهتدينا ** ولا تصدّينا ولا صلينا*
*ونحن عن فضلك ما استغنينا ** فثبت الأقدام إن لاقينا*
* ** وأنزلن سكينة علينا
فقال رسول الله ﷺ من هذا، قال : أنا عامر فقال : غفر لك ربك وما استغفر رسول الله
٣٢
صلى الله عليه وسلم لأحد إلا استشهد قال : فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له يا نبيّ الله لولا متعتنا بعامر قال فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول :
*قد علمت خيبر أني مرحب ** شاكي السلاح بطل مجرب*
* ** إذا الحروب أقبلت تلتهب
قال : فبرز له عامر بن عثمان فقال :
*قد علمت خيبر أني عامر ** شاكي السلاح بطل مقامر*
فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فرجع سيف عامر على نفسه فقطع أكحله فكانت فيها نفسه قال : فأتيت النبيّ ﷺ وأنا أبكي فقلت : يا رسول الله بطل عمل عامر. فقال رسول الله ﷺ من قال ذلك قلت ناس من أصحابك قال : من قال ذلك بل له أجره مرتين ثم أرسلني إلى عليّ وهو أرمد فقال : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فأتيت علياً فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله ﷺ فبصق في عينيه فبرئ وأعطاه الراية وخرج مرحب وقال :
*أنا الذي سمتني أمي مرحب ** شاكي السلاح بطل مجرّب*
فقال علي كرّم الله تعالى وجهه :
*أنا الذي سمتني أمي حيدره ** كليث غابات كريه المنظرة*
* ** أكيلكم بالسيف كيل السندرة*
قال : فضرب رأس مرحب فقتله. ثم كان الفتح على يديه" ومعنى أكيلكم بالسيف كيل السندره أي : أقتلكم قتلاً واسعاً ذريعاً. والسندرة مكيال واسع. قيل : يحتمل أن يكون اتخذ من السندرة وهي شجرة يعمل منها النبل والقسي. والسندرة أيضاً العجلة والنون زائدة قال ابن الأثير وذكرها الجوهري في هذا الباب ولم ينبه على زيادتها. وروي فتح خيبر من طرق أخر في بعضها زيادات وفي بعضها نقصان عن بعض. وقوله تعالى :
﴿وأخرى﴾ صفة مغانم مقدّراً مبتدأ وقيل : هي مبتدأ والخبر ﴿لم تقدروا عليها﴾ وهي كما قال ابن عباس : فارس والروم وما كانت العرب تقدر تقاتل فارس والروم بل كانوا خولاً لهم حتى قدروا عليهما بالإسلام. وقال الضحاك : هي خيبر وعدها الله تعالى نبيه ﷺ قبل أن يصيبها ولم يكونوا يرجونها. وقال قتادة : هي مكة. وقال عكرمة : حنين. وقال البقاعي : هي والله أعلم غنائم هوازن التي لم يحصل قبلها ما يقاربها. ﴿قد أحاط الله﴾ أي : المحيط بكل شيء قدرةً وعلماً ﴿بها﴾ أي : علم أنها ستكون لكم ﴿وكان الله﴾ أي : المحيط بجميع صفات الكمال
٣٣
أزلاً وأبداً ﴿على كل شيء﴾ منها ومن غيرها ﴿قديراً﴾ أي : بالغ القدرة لأنه بكل شيء عليم.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢
ولو قاتلكم الذين كفروا﴾
وهم أهل مكة ومن وافقهم وكانوا قد اجتمعوا وجمعوا الأحابيش ومن أطاعهم وقدّموا خالد بن الوليد طليعة لهم إلى كراع الغميم ولم يكن أسلم بعد ﴿لولوا﴾ أي : بغاية جهدهم ﴿الأدبار﴾ منهزمين ﴿ثم﴾ أي : بعد طول الزمان وكثرة الأعوان ﴿لا يجدون﴾ أي : في وقت من الأوقات ﴿ولياً﴾ أي : من يفعل معهم فعل القريب من الشفقة ﴿ولا نصيراً﴾ ينصرهم ولما كانت هذه عادة جارية قديمة مع أولياء الله تعالى حيثما كانوا من الرسل وأتباعهم ﴿وإنّ جندنا لهم الغالبون﴾ (الصافات : ١٧٣)
قال تعالى :﴿سنة الله﴾ أي : سنّ المحيط بكل شيء علماً غلبة أنبيائه وأتباعهم ﴿التي قد خلت من قبل﴾ أي : فيمن مضى من الأمم. كما قال تعالى :﴿لأغلبنّ أنا ورسلي﴾ (المجادلة : ٢١)
﴿ولن تجد﴾ أيها السامع ﴿لسنة الله﴾ أي : الذي لا يخلف قوله، لأنه محيط بجميع صفات الكمال ﴿تبديلاً﴾ أي : تغييراً من مغيّر ما يغيرها بما يكون بدلها ثم عطف على ما تقديره هو الذي سنّ هذه السنة العامة.


الصفحة التالية
Icon