تنبيه : شرح غريب ألفاظ الحديثين وما يتعلق بهما قولها : كان رسول الله ﷺ يحب الحلوى بالمد والقصر قاله في "المصباح"، وهو على كل شيء يحلو، وذكر العسل بعدها وإن كان داخلاً في جملة الحلوى تنبيهاً على شرفه ومرتبته، وهو من باب الخاص بعد العام. وقولها : فتواطيت أنا وحفصة هكذا وقع في الرواية، وأصله : فتوطأت بالهمز، أي : اتفقت أنا وحفصة. وقولها : إني لأجد منك ريح مغافير، هو بغين معجمة وفاء بعدها ياء وراء، وهو صمغ حلو كالناطف وله ريح كريهة ينضحه شجر يقال له : العرفط بضم العين المهملة والفاء يكون بالحجاز، وقيل : العرفط نبات له ورق يفرش على الارض له شوك وثمره خبيث الرائحة.
وقال أهل اللغة : العرفط من شجر العضاه، وهو كل شجر له شوك. وقيل رائحته كرائحة النبيذ، وكان النبي ﷺ يكره أن توجد منة رائحة كريهة.
قولها : جرست نحله العرفط بالجيم والراء وبالسين المهملتين، ومعناه : أكلت نحله العرفط فصار منه العسل.
قال القاضي عياض : والصواب أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش، ذكره النووي في شرح مسلم، وكذا ذكره أيضاً القرطبي. وقال أكثر المفسرين في سبب نزول ذلك :"أن النبي ﷺ كان يقسم بين نسائه فلما كان يوم حفصة استأذنت رسول الله ﷺ في زيارة أبيها فأذن لها، فلما خرجت أرسل رسول الله ﷺ إلى جاريته مارية القبطية فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقاً فجلست عند الباب فخرج رسول الله ﷺ ووجهه يقطر عرقاً وحفصة تبكي، فقال ﷺ ما يبكيك ؟
فقالت : إنما أذنت لي من أجل ذلك أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها في يومي على فراشي، أما رأيت لي حرمة وحقاً، ما كنت تصنع هذا بإمرأة منهن، فقال رسول الله ﷺ أليس هي جاريتي قد أحلها الله لي فهي حرام علي ألتمس بذلك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن، فلما خرج رسول الله ﷺ قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت : ألا أبشرك أن رسول الله ﷺ قد حرم عليه أمته مارية، وأن الله قد أراحنا منها، وأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج رسول الله ﷺ فغضبت عائشة، فلم يزل نبي الله ﷺ حتى حلف أن لا يقربها".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥١
وعن أنس بن مالك "أن رسول الله ﷺ كان له أمة يطؤها، فلم تزل عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله تعالى ﴿يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك﴾ الآية" أخرجه النسائي.
٣٥٢
فإن قيل : قوله تعالى :﴿لم تحرم ما أحل الله لك﴾ يوهم أن الخطاب بطريق العتاب، وخطاب النبي ﷺ ينافي ذلك لما فيه من التشريف والتعظيم ؟
أجيب : بأنه ليس بطريق العتاب بل بطريق التنبيه على أن ما صدر منه لم يكن على ما ينبغي.
فإن قيل : تحريم ما أحل الله غير ممكن، فكيف قال ﴿لما تحرم ما أحل الله لك﴾ ؟
أجيب : بأن المراد بهذا التحريم هو الامتناع عن الانتفاع بالأزواج لا اعتقاد كونه حراماً بعدما أحله الله تعالى، والنبي ﷺ امتنع من الانتفاع بها مع اعتقاد كونها حلالاً، فإن من اعتقد أن هذا التحريم هو تحريم ما أحل الله فقد كفر، فكيف يضاف إلى النبي ﷺ ﴿تبتغي﴾ أي : تريد إرادة عظيمة من مكارم أخلاقك وحسن صحبتك ﴿مرضاة أزواجك ﴾ أي : الأحوال والأمور والمواضع التي يرضين بها، وهن أولى بأن يبتغين رضاك، وكذا جميع الخلق لتتفرغ لما يوحى إليك من ربك لكن ذلك للزوجات آكد ﴿والله﴾ أي : الملك الأعلى ﴿غفور رحيم﴾ أي : محاء ستور لما يشق على خلص عباده مكرم لهم، فقد غفر لك هذا التحريم.
ثم علل وبين ذلك بقوله تعالى :﴿قد فرض الله﴾ أي : قدر ذو الجلال والإكرام الذي لا شريك له ولا أمر لأحد معه، وعبر بالفرض حثاً على قبول الرخصة إشارة إلى أن ذلك لا يقدح في الورع، ولا يخل بحرمة اسم الله تعالى لأن أهل الهمم العوالي لا يجوزون النقلة من عزيمة إلى رخصة، بل من رخصة إلى عزيمة أو عزيمة إلى مثلها.
ولما كان التخفيف على أمته تعظيماً له ﷺ قال تعالى :﴿لكم﴾ أيتها الأمة التي أنت رأسها ﴿تحلة﴾ أي : تحليل ﴿أيمانكم﴾ بالكفارة المذكورة في سورة المائدة، وقيل : قد شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم من قولك : حلل فلان في يمينه إذا استثنى بمعنى استثن في يمينك إذا أطلقتها بأن تقول : إن شاء الله متصلاً بحلفك، وتنويه قبل الفراغ منه.
واختلف أهل العلم في لفظ التحريم، فقال قوم : هو ليس بيمين، فإن قال لزوجته : أنت حرام أو حرّمتك فإن نوى به طلاقاً فهو طلاق، وإن نوى به ظهاراً فهو ظهار، وإن نوى تحريم ذاتها وأطلق فعليه كفارة يمين وإن قال لطعام : حرمته على نفسي فلا شيء عليه، وهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه، وإليه ذهب الشافعي.


الصفحة التالية
Icon