" الآية. وفي رواية "أنه استأذن رسول الله ﷺ أن يخبر الناس أنه لم يطلق نساءه فأذن له، وإنه قام على باب المسجد ونادى بأعلى صوته لم يطلق رسول الله ﷺ نساءه".
شرح بعض ألفاظ هذا الحديث :
قوله : فعدلت معه أي : فملت معه، بالأداوة أي : الركوة، والعوالي جمع عالية، وهي أماكن بأعلى أرض المدينة. وقوله : لا يغرنك إن كانت جارتك يريد بها الضرة وهي عائشة، وأوسم منك أي : أكثر حسناً، وقوله : فكنا نتناوب النزول : التناوب هو ما يفعله الإنسان مرة، ويفعله آخر بعده، والمشربة بضم الراء وفتحها الغرفة. وقوله : فإذا هو متكئ على رمال حصير : يقال : رملت الحصير إذا ظفرته ونسجته، والمراد أنه لم يكن على السرير وطاء سوى الحصير. وقوله : ما رأيت فيه مايرد البصر إلا أهبة ثلاث : الأهبة والأهب جمع إهاب، وهو الجلد. وقوله : من شدة موجدته : الموجدة الغضب.
وقرأ :﴿وإن تظاهرا﴾ الكوفيون بتخفيف الظاء، والباقون بتشديدها أي : تتعاونا ﴿عليه﴾ أي : النبي ﷺ فيما يكرهه ﴿فإن الله﴾ الملك الأعظم الذي لا كفء له، وقوله تعالى :﴿هو﴾ يجوز أن يكون فصلاً، وقوله :﴿مولاه﴾ الخبر، وأن يكون مبتدأ ومولاه خبره، والجملة خبر إن، والمعنى فإن الله وليه وناصره فلا يضره ذلك التظاهر منهما.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥١
وقوله تعالى :﴿وجبريل وصالح المؤمنين﴾ معطوف على محل اسم إن فيكونون ناصريه، ويجوز أن يكون جبريل مبتدأ و ما بعده عطف عليه وظهير خبر الجميع فتختص الولاية بالله.
واختلف في صالح المؤمنين، فقال عكرمة : هو أبو بكر وعمر، وقال المسيب بن شريك :
٣٥٧
هو أبو بكر. وقال سعيد بن جبير : هو عمر، وعن أسماء بنت عميس : هو علي بن أبي طالب. وقال الطبري : هو خيار المؤمنين. وصالح اسم جنس كقوله تعالى :﴿إن الإنسان لفي خسر﴾ (العصر : ٢) وقال قتادة : هم الأنبياء. وقال ابن زيد : هم الملائكة. وقال السدي : هم أصحاب محمد ﷺ والأولى أن يشمل هذه الأقوال كلها ﴿والملائكة﴾ أي : كلهم ﴿بعد ذلك﴾ أي : الأمر العظيم الذي تقدم ذكره ﴿ظهير﴾ أي : ظهراء أعوان له في نصره عليكما.
تنبيه : أخبر عن الجمع باسم الجنس إشارة إلى أنهم على كلمة واحدة، ومنهم جبريل عليه السلام فهو مذكور خصوصاً وعموماً ثلاث مرات على القول بأن صالح المؤمنين هم الملائكة إن قلنا بالعموم، وذلك إظهار لشدة محبته وموالاته للنبي ﷺ وهذه الأية عكس آية البقرة، وهي قوله تعالى :﴿من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال﴾ (البقرة : ٩٨) فإنه ذكر الخاص بعد العام تشريفاً له، وهنا ذكر العام بعد الخاص. قال ابن عادل : ولم يذكر الناس إلا القسم الأول، وفي جبريل لغات تقدم ذكرها في البقرة.
ولما كان أشد ما على المرأة أن تطلق، ثم إذا طلقت أن يستبدل بها، ثم يكون البدل خيراً منها قال تعالى محذراً لهن :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥١
﴿عسى ربه﴾ أي : المحسن إليه بجميع أنواع الإحسان التي عرفتموها، وما لم تعرفوه منها أكثر جدير وحقيق ووسط بين عسى وخبرها اهتماماً وتخويفاً قوله تعالى :﴿إن طلقكن﴾ أي : بنفسه من غير اعتراض عليه جميعكن أو بعضكن.
قيل : كل عسى في القرآن واجب إلا هذه الآية، وقيل : هو واجب ولكن الله تعالى علقه بشرط، وهو التطليق ولم يطلقهن فإن طلقكن شرط معترض بين اسم عسى وخبرها وجوابه محذوف أو متقدم أي : إن طلقكن فعسى ربه وقوله تعالى ﴿أن يبدله﴾ أي : بمجرد طلاقه. وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء وتشديد الدال، والباقون بسكون الموحدة وتخفيف الدال. ﴿أزواجاً خيراً منكن﴾ خبر عسى، والجملة جواب الشرط ولم يقع التبدل لعدم وجود الشرط.
فإن قيل : كيف تكون المبدلات خيراً منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خيراً منهن لأنهن
٣٥٨
أمهات المؤمنين ؟
أجيب : بأنه إذا طلقهن رسول الله ﷺ لعصيانهن وإيذائهن إياه كان غيرهن من الموصوف بالصفات الآتية مع الطاعة له ﷺ خيراً، أو أن هذه على سبيل الفرض وهو عام في الدنيا والآخرة، فلا يقتضي وجود من هو خير منهن مطلقاً.
وإن قيل : بوجوده في خديجة لما جرب من تحاملها على نفسها في حقه ﷺ وبلوغها في حبه والأدب معه ظاهراً وباطناً الغاية القصوى، ومريم أحسنت حين كانت من القانتين فذلك في الآخرة، وتعليق تطليق الكل لا يدل على أنه لم يطلق حفصة. فقد روي أنه طلقها ولم يزدها ذلك إلا فضلاً لأن الله تعالى أمره أن يراجعها، لأنها صوامة قوامة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٨


الصفحة التالية
Icon