سورة الملك
مكية
وتسمى : الواقية والمنجية، وتدعى في التوراة المانعة لأنها تقي وتنجي من عذاب القبر، وعن ابن شهاب أنه كان يسميها المجادلة لأنها تجادل عن صاحبها في القبر. وهي ثلاثون آية وثلاثمائة، وثلاثون كلمة، وألف وثلاثمائة حرف.
﴿بسم الله﴾ الذي خضعت لكمال عظمته الملوك ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ بنعمة الإيجاد كل من في الوجود ﴿الرحيم﴾ الذي خص أولياءه بالنعيم بدار الخلود.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٦
﴿تبارك﴾، أي : تكبر وتقدس وتعالى وتعاظم وثبت ثباتاً لا مثل له مع اليمن والبركة، وقيل : دام فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه ﴿الذي بيده﴾ أي : بقدرته وتصرفه لا بقدرة غيره ﴿الملك﴾، أي : له الأمر والنهي وملك السموات في الدنيا والآخرة، وقال ابن عباس : بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء ويحيي ويميت ويغني ويفقر ويعطي ويمنع. قال الرازي : وهذه الكلمة تستعمل لتأكيد كونه تعالى ملكاً ومالكاً كما يقال : بيد فلان الأمر والنهي والحل والعقد، وذكر اليد إنما هو تصوير للإحاطة ولتمام القدرة ؛ لأنها محلها مع التنزه عن الجارحة وعن كل ما يفهم حاجة أو شبهها ﴿وهو على كل شيء﴾، أي : من الممكنات ﴿قدير﴾ أي : تام القدرة.
تنبيه : احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه لا يؤثر إلا قدرة الله تعالى، وأبطلوا القول بالطبائع كقول الفلاسفة، وأبطلوا القول بالتولدات كقول المعتزلة، وأبطلوا القول بكون العبد موجداً لأفعال نفسه لقوله تعالى :﴿وهو على كل شيء قدير﴾ ودلت هذه الآية على الوحدانية لأنا لو قدرنا إلهاً
٣٦٧
ثانياً فإمّا أن يقدر على إيجاد شيء أو لا، فإن لم يقدر على إيجاد شيء لم يكن إلهاً وإن قدر كان مقدور ذلك الإله الثاني شيئاً فيلزم كون ذلك الشيء مقدوراً للإله الأول لقوله :﴿وهو على كل شيء قدير﴾ فيلزم وقوع مخلوق من خالقين وإنه محال، لأنه إذا كان كل واحد منهما مستقلاً بالإيجاد يلزم أن يستغني كل واحد منهما عن كل واحد منهما فيكون محتاجاً إليهما وغنياً عنهما وذلك محال. وقرأ :﴿وهو على كل شيء قدير﴾ ﴿وهو العزيز الغفور﴾ ﴿وهو اللطيف﴾ وما أشبه ذلك أبو عمرو وقالون والكسائي بسكون الهاء والباقون بضمها، وخرج بقولنا من الممكنات أنه تعالى ليس قادراً على نفسه، وأجاب بعضهم بأن هذا عام مخصوص.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٧
ودل على تمام قدرته قوله تعالى :﴿الذي خلق﴾ أي : قدر وأوجد ﴿الموت والحياة﴾ قيل : خلق الموت في الدنيا والحياة في الآخرة، وقدم الموت على الحياة لأنّ الموت إلى القهر أقرب كما قدم البنات على البنين فقال :﴿يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور﴾ (الشورى : ٤٩)
وقيل : قدمه لأنه أقدم، لأنّ الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطف والتراب ونحوه. وقال قتادة : كان رسول الله ﷺ يقول :"إن الله أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء" وعن أبي الدرداء أن النبي ﷺ قال :"لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت" وقيل : إنما قدم الموت على الحياة لأن من نصب الموت بين عينيه كان أقوى الدواعي إلى العمل، وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل أنّ الموت والحياة جسمان، والموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء وهي التي كان جبريل عليه السلام والأنبياء عليهم السلام يركبونها خطوتها مدّ البصر فوق الحمار ودون البغل لا تمر بشيء ولا يجد ريحها إلا حيي ولا تطأ على شيء إلا حيي وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي، حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس.
وعن مقاتل :﴿خلق الموت﴾ يعني : النطفة والعلقة والمضغة، وخلق الحياة يعني : خلق إنساناً فنفخ فيه الروح فصار إنساناً. قال القرطبي : وهذا حسن يدل عليه قوله تعالى :﴿ليبلوكم﴾ أي : يعاملكم وهو أعلم بكم من أنفسكم معاملة المختبر لإظهار ما عندكم من العمل بالاختبار ﴿أيكم أحسن عملاً﴾ أي : من جهة العمل، أي : عمله أحسن من عمل غيره، وروي عن عمر مرفوعاً :"أحسن عملاً أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله" وقال الفضيل بن عياض : أحسن عملاً أخلصه وأصوبه وقال : العمل لا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، فالخالص إذا كان لله والصواب إذا كان على السنة، وقال الحسن : أيكم أزهد في الدنيا وأترك لها، وقال السدي : أيكم أكثر للموت ذكراً وأحسن استعداداً وأشد خوفاً وحذراً. وقيل : يعاملكم معاملة المختبر، فيبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره وبالحياة ليبين شكره، وقيل : خلق الله تعالى
٣٦٨
الموت للبعث والجزاء وخلق الله الحياة للابتلاء.