قال القرطبي : ما ذكره مسلم في صحيحه عن عائشة أصح الأقوال، وسئلت أيضاً عن خلقه ﷺ "فقرأت قد أفلح المؤمنون إلى عشر آيات". قال الرازي : وهذا إشارة إلى أن نفسه القدسية الشريفة كانت بالطبع منجذبة إلى عالم الغيب، وإلى كل ما يتعلق به وكانت شديدة التعري عن اللذات البدنية والسعادات الدنيوية بالطبع، ومقتضى الفطرة وقالت :"ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله ﷺ ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال : لبيك ولذلك قال الله تعالى :﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي ﷺ منه الحظ الأوفر".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٢
وقال الجنيد : سمي خلقه عظيماً لاجتماع مكارم الأخلاق فيه بدليل قوله ﷺ "إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق وتمام محاسن الأفعال". وعن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول :"كان رسول الله ﷺ أحسن الناس وجهاً، وأحسن الناس خلقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير". وعن أنس بن مالك قال :"خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين فما قال لي أف قط وما قال لشيء صنعته : لم صنعته، ولا لشيء تركته : لم تركته، وكان رسول الله ﷺ من أحسن الناس خلقاً، ولا مسست خزاً قط ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله ﷺ ولا شممت مسكاً ولا عنبراً كان أطيب من عرق رسول الله ﷺ. وعن ابن عمر "أنّ رسول الله ﷺ لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول : خياركم أحسنكم أخلاقاً". وعن أنس "أن امرأة عرضت لرسول الله ﷺ في طريق من طرق المدينة، فقالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال : يا أم فلان اجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك قال : ففعلت فقعد إليها رسول الله ﷺ حتى قضيت حاجتها". وعن أنس بن مالك قال :"كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله ﷺ فتنطلق به حيث شاءت". وعن أنس أيضاً :"إن رسول الله ﷺ كان إذا صافح رجلاً لم ينزع يده حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عن وجهه ولم ير مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له". وعن عائشة قالت :"ما ضرب رسول الله ﷺ بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى، ولا ضرب خادماً ولا امرأة". وعنها قالت :"ما خير رسول الله ﷺ في أمرين قط إلا اختار
٣٨٧
أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم". وعن أنس قال :"كنت أمشي مع النبي ﷺ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله ﷺ قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال : مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله ﷺ وضحك وأمر له بعطاء".
وعنه قال :"كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقاً وكان لي أخ يقال له : أبو عمير وهو فطيم كان إذا جاءنا قال : يا أبا عمير ما فعل النغير لنغير كان يلعب به". والنغير طائر صغير يشبه العصفور إلا أنه أحمر المنقار. وعن الأسود قال :"سألت عائشة : ما كان رسول الله ﷺ يفعل في بيته ؟
قالت : كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة توضأ ويخرج إلى الصلاة". والمهنة : الخدمة، وعن عبد الله بن الحرث قال :"ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله ﷺ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٢
وعن أم الدرداء تحدث عن أبي الدرداء عن رسول الله ﷺ قال :"إن أثقل شيء يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء". وعن أبي هريرة "أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه : أتدرون أكثر ما يدخل الناس النار ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم قال : فإن أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان الفرج والفم، أتدرون أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : فإن أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق".
وعن عائشة قالت : سمعت رسول الله ﷺ يقول :"إن المؤمن يدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار".
﴿فستبصر﴾ أي : فستعلم عن قرب بوعد لا خلف فيه علماً أنت في تحققه كالمبصر بالحس الباصر ﴿ويبصرون﴾ أي : يعلم الذين رموك بالبهتان علماً هو كذلك. وقوله تعالى :﴿بأييكم المفتون﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن الباء مزيدة في المبتدأ، والتقدير : أيكم المفتون فزيدت كزيادتها في نحو :
٣٨٨
بحسبك زيد، وإلى هذا ذهب قتادة، قال ابن عادل : إلا أنه ضعيف من حيث إن الباء لا تزاد في المبتدأ إلا في حسبك فقط.


الصفحة التالية
Icon