سورة الحاقة
مكية
وهي اثنان وخمسون آية وألف وأربعة وستون حرفاً
﴿بسم الله﴾ أي : الذي له الكمال كله ﴿الرحمن﴾ الذي عم العالمين جوده ﴿الرحيم﴾ الذي خص أهل وده بالوقوف عند حدوده. وقوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٣
﴿الحاقة﴾ مبتدأ وقوله تعالى :
﴿ما الحاقة﴾ مبتدأ وخبر، والجملة خبر الأول، والأصل الحاقة ما هي، أي : أي شيء هي تفخيماً لشأنها وتعظيماً لهولها، فوضع الظاهر موضع المضمر لأنه أهول لها. والحاقة الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها، أو التي فيها حواق الأمور من البعث والحساب والثواب والعقاب، أو التي تحق فيها الأمور، أي : تعرف على الحقيقة من قولك : لا أحق هذا، أي : لا أعرف حقيقته، جعل الفعل لها وهو لأهلها، وقيل : سميت القيامة بذلك لأنها أحقت لأقوام الجنة ولأقوام النار. وقوله تعالى :
﴿وما أدراك﴾ أي : أيّ شيء أعلمك ﴿ما الحاقة﴾ زيادة تعظيم لشأنها، فما الأولى مبتدأ وما بعدها خبره، وما الثانية خبرها في محل المفعول الثاني لأدري يعني : إنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها على أنه من العظم والشدة بحيث لا تبلغه دراية أحد ولا وهمه، والنبي ﷺ كان عالماً بالقيامة ولكن لا علم له بكنهها وصفتها، فقيل له ذلك تفخيماً لشأنها، كأنك لست تعلمها إذ لم تعاينها. وقال يحيى بن سلام : بلغني أن كل شيء في القرآن ﴿وما أدراك﴾ فقد دراه وعلمه، وكل شيء قال :﴿وما يدريك﴾ فإنه مما لم يعلمه. وقال سفيان بن عيينة : كل شيء قال فيه :﴿وما أدراك﴾ فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه :﴿وما يدريك﴾ فإنه لم يخبر به، وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة والكسائي وابن ذكوان بخلاف عنه بالإمالة، وورش بين اللفظين، والباقون بالفتح.
٤٠٤
ولما ذكر الساعة وفخمها أتبع ذلك ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب تذكيراً لأهل مكة وتخويفاً لهم من عاقبة تكذيبهم فقال تعالى :﴿كذبت ثمود﴾ قدمهم لأن بلادهم أقرب إلى قريش وواعظ القرب أكبر وإهلاكهم بالصيحة وهي أشبه بصيحة النفخ في الصورة المبعثرة لما في القبور﴿وعاد بالقارعة﴾ أي : القيامة سميت بذلك لأنها تقرع قلوب العباد بالمحاقة أو لأنها تقرع الناس بأهوالها يقال : أصابتهم قوارع الدهر، أي : أهواله وشدائده. وقوارع القرآن : الآيات التي يقرؤها الإنسان إذا فزع من الإنس أو الجن نحو : آية الكرسي، كأنه يقرع الشيطان بها. وقال المبرَّد : القارعة مأخوذة من القرعة من رفع قوم وحط آخرين وقوارع القيامة انفطار السماء بانشقاقها، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار، ووضعت موضع الضمير لتدل على معنى القرع في الحاقة زيادة في وصف شدتها، وقيل : عنى بالقارعة العذاب الذي نزل بهم في الدنيا، وكان نبيهم يخوفهم بذلك فيكذبونه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٤
وثمود قوم صالح وكانت منازلهم بالحجر فيما بين الشام والحجاز، قال ابن إسحاق : وهو وادي القرى وكانوا عرباً، وأما عاد فقوم هود وكانت منازلهم بالأحقاف رمل بين عمان إلى حضرموت واليمن كله وكانوا عرباً ذوي بسطة في الخلق.