فقالوا : مه كف عنايا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به فقام رجل يقال له مكرز بن حفص. فقال : دعوني آته فقالوا له ائته فلما أشرف عليهم قال النبيّ ﷺ هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي ﷺ فبينما هو يكلمه إذ جاءه سهيل بن عمر. وقال عكرمة : لما رآه النبي ﷺ قال : قد سهل لكم من أمركم قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو فقال : هات نكتب بيننا وبينك كتاباً فدعا رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل : أمّا الرحمن فلا أدري من هو ولكن اكتب باسمك اللهمّ كما كنت تكتب فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبيّ ﷺ لعلي : اكتب باسمك اللهمّ. ثم قال : اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله. فقال سهيل : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال رسول الله ﷺ أني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤
قال الزهري : وذلك لقوله ﷺ "لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها". فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو واصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن الناس فيه ويكف بعضهم عن بعض فقال له النبي ﷺ وعلى أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال سهيل : والله لا تتحدّث العرب أنا أخذنا ضغطة ولكن ذاك من العام المقبل. فكتب فقال سهيل : وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا فقال المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً. وروى ابن إسحاق عن البراء قصة الصلح وفيها قالوا : لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئاً ولكن أنت محمد بن عبد الله قال : أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي : امح رسول الله فقال : والله لا أمحوك أبداً فقال فأرينه فأراه إياه فمحاه النبيّ ﷺ بيده.
وفي رواية فأخذ رسول الله ﷺ الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله قال البراء : صالح على ثلاثة أشياء على أنّ من أتى من المشركين يردّه إليهم ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه على أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام ولا يدخلها بجلبان السلاح السيف والقوس ونحوه. وروى في صلح الحديبية طرق أخر في بعضها زيادات وفي بعضها نقصان عن بعض.
٣٧
وقوله تعالى ﴿والهدي﴾ معطوف على كم من صدوكم أي وصدوا الهدي وهو البدن التي ساقها رسول الله ﷺ وكانت سبعين.
وقوله تعالى :﴿معكوفاً﴾ أي : محبوساً حال وقوله تعالى :﴿أن يبلغ محله﴾ أي : مكانه الذي ينحر فيه عادة وهو الحرم بدل اشتمال ﴿ولولا رجال﴾ أي : مقيمون بين أظهر الكفار بمكة ﴿مؤمنون﴾ أي : غريقون في الإيمان فكانوا لذلك أهلاً للوصف بالرجولية ﴿ونساء مؤمنات﴾ أي : كذلك حبس الكل عن الهجرة العذر لأنّ الكفار لكثرتهم استضعفوهم فمنعوهم الهجرة، على أنّ ذلك شامل لمن جبله الله تعالى على الخير وعلم منه الإيمان وإن كان في ذلك الوقت كافراً ﴿لم تعلموهم﴾ أي : لم يحط علمكم بهم من جميع الوجوه لتميزوهم بأعيانهم عن المشركين لأنهم ليس لهم قوّة التمييز منهم وأنتم لا تعرفون أماكنهم لتعاملوهم بما هم له أهل ولا سيما في حال الحرب والطعن والضرب ثم أبدل من الرجال والنساء قوله تعالى :﴿أن تطؤهم﴾ أي تؤذوهم بالقتل أو ما يقاربه من الجراح والضرب والنهب ونحو ذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤
ومنه قوله ﷺ "اللهمّ أشدد وطأتك على مضر" ﴿فتصيبكم﴾ أي : فيتسبب عن هذا الوطء أن تصيبكم ﴿منهم﴾ أي : من جهتهم وبسببهم ﴿معرّة﴾ أي : مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم والتأسف عليهم وتغيير الكفار بذلك والإثم بالتقصير في البحث مفعلة من عرّه إذا عراه ما يكرهه وقوله تعالى :﴿بغير علم﴾ متعلق بأن تطؤوهم أي : غير عالمين بهم وجواب لولا محذوف لدلالة الكلام عليه.
والمعنى ولولا كراهة أن تهلكوا أناساً مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم فيصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم.
فإن قيل : أي : معرة تصيبهم إذا قتلوهم وهم لا يعلمون، أجيب : بأنهم يصيبهم وجوب الدية والكفارة وسوء قالة المشركين إنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير.


الصفحة التالية
Icon