أي : من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه، وقرأ أبو عمرو وقالون والكسائي بسكون الهاء والباقون بكسرها ﴿والملك﴾ أي : هذا النوع ﴿على أرجائها﴾ أي : نواحي السماء وأطرافها وحواشي ما لم ينشق منها قال الضحاك : يكونون بها حتى يأمرهم الله تعالى فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها، وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : المعنى والملك على حافات الدنيا، أي : ينزلون إلى الأرض ويحرسون أطرافها، وقيل : إذا صارت السماء قطعاً تقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها، والأرجاء في اللغة : النواحي والأقطار بلغة هذيل واحدها رجا مقصور وتثنيته رجوان، مثل عصا وعصوان قال القائل :
*فلا ترمي بي الرجوان إني ** أقل القوم من يعني مكاني*
قال ابن عادل : ورجا هنا يكتب بالألف عكس رحى لأنه من ذوات الواو.
فإن قيل : الملائكة يموتون في الصعقة الأولى لقوله تعالى :﴿فصعق من في السموات ومن في
٤٠٩
الأرض﴾ (الزمر : ٦٨)
. فكيف يقال لهم : إنهم يقفون على أرجاء السماء ؟
أجيب : من وجهين : الأول : إنهم يقفون لحظة على أرجاء السماء ثم يموتون، والثاني : المراد الذين استثنوا في قوله تعالى :﴿إلا من شاء الله﴾ (الزمر : ٦٨)
. وقيل : إن الناس إذا رأوا جهنم هالهم أمرها فيندّوا كما تندو الإبل فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلا رأوا الملائكة فيرجعوا من حيث جاؤوا. وقيل : على أرجائها ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النار من السوق إليها. وفي أهل الجنة من التحية والكرامة، وهذا كله يرجع إلى قول ابن جبير رضي الله عنه ويدل عليه قوله تعالى :﴿ونزل الملائكة تنزيلا﴾ (الفرقان : ٢٥)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٦
قال الزمخشري : فإن قلت ما الفرق بين قوله :﴿والملك﴾ وبين أن يقال : والملائكة ؟
قلت : الملك أعمّ من الملائكة ألا ترى أنّ قولك : ما من ملك إلا وهو شاهد أعمّ من قولك : ما من ملائكة ا. ه. قال أبو حيان : ولا يظهر أن الملك أعم من الملائكة لأن المفرد المحلى بالألف واللام قصاراه أن يكون مراداً به الجمع المحلى ولذلك صح الاستثناء منه، ثم قال : ولأن قوله :﴿على أرجائها﴾ يدل على الجمع، لأن الواحد لا يمكن أن يكون على أرجائها في وقت واحد بل في أوقات، والمراد والله أعلم أن الملائكة على أرجائها لا أنه ملك واحد ينتقل على أرجائها في أوقات.
ولما كان الملك يظهر في يوم العرض سرير ملكه ومحل عزه قال تعالى :﴿ويحمل عرش ربك﴾ أي : المحسن إليك بكل ما تريد لا سيما في ذلك اليوم بما يقع من رفعتك على سائر الخلق، والضمير في قوله تعالى :﴿فوقهم يومئذ﴾ أي : في يوم وقعت الواقعة يجوز أن يعود على الملك لأنه بمعنى الجمع كما تقدم، وأن يعود على الحاملين في قوله تعالى :﴿ثمانية﴾، وقيل : يعود على جميع العالم، أي : إن الملائكة تحمل عرش الله تعالى فوق العالم كله.
واختلف في هذه الثمانية فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاك، وعن الحسن رضي الله عنه : الله أعلم كم هم أثمانية أم ثمانية آلاف أم ثمانية صفوف، وفي الحديث أنه ﷺ قال :"إن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدّهم الله تعالى بأربعة أخرى فكانوا ثمانية على صورة الأوعال". وفي رواية : ثمانية أوعال من أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء، وفي حديث آخر :"لكل ملك منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر، وكل وجه منها يسأل الله الرزق لذلك الجنس".
فإن قيل : إذا لم يكن فيهم صورة الوعل فكيف سموا أوعالاً ؟
أجيب : بأن وجه الثور إذا كانت له قرون أشبه الوعل. وعنه ﷺ أنه قال :"أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش : إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام". أخرحه أبو داود بإسناد
٤١٠
صحيح، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : حملة العرش ما بين أخمص أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام، ومن كعبه إلى ركبته خمسمائة، ومن ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : الذين يحملون العرش ما بين سوق أحدهم إلى مؤخر عينه خمسمائة عام. وفي الخبر أن فوق السماء السابعة ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء وفوق ظهورهن العرش، وفي حديث مرفوع أن حملة العرش ثمانية أملاك على صورة الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاماً للطائر المسرع، وروي أن أرجلهن في الأرض السابعة، وإضافة العرش إلى الله تعالى كإضافة البيت إليه وليس البيت للسكنى فكذلك العرش ليس للجلوس تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، فإنه الخالق للعرش ولحملة العرش ولا تحيط به جهة وهو العلي العظيم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٦