وعن شهر بن حوشب قال حملة العرش ثمانية : أربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، وأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهمّ وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك.
ولما بلغ تعالى النهاية في تحذير العباد من يوم التناد وكان لهم حالتان عامة وخاصة، فالعامة العرض والخاصة التقسيم إلى محسن ومسيء زاده عظماً بقوله تعالى :﴿يومئذ﴾ أي : إذ كان جميع ما تقدم ﴿تعرضون﴾ على الله للحساب كما يعرض السلطان الجند لينظر في أمرهم ليختار منهم المصلح للتقريب والإكرام، والمفسد للإبعاد والتعذيب، عبر بالعرض عن الحساب الذي هو جزؤه، والمحسن لا يكون له غير ذلك والمسيء يناقش.
﴿لا تخفى منكم﴾ أي : في ذلك اليوم على أحد بوجه من الوجوه، وقرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية ؛ لأن التأنيث مجازي والباقون بالتاء وهو ظاهر، ﴿خافية﴾ أي : من السرائر التي كان من حقها أن تخفى في دار الدنيا، فإنه عالم بكل شيء من أعمالكم. ونظيرة قوله تعالى :﴿لا يخفى على الله منهم شيء﴾ (غافر : ١٦)
. قال الرازي : والعرض للمبالغة في التهديد يعني تعرضون على من لا تخفى عليه خافية، قال القرطبي : هذا هو العرض على الله تعالى ودليله ﴿وعرضوا على ربك صفاً﴾ (الكهف : ٤٨)
وليس ذلك عرضاً ليعلم ما لم يكن عالماً به، بل ذلك العرض عبارة عن المحاسبة والمساءلة وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة قال ﷺ "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٦
٤١١
قال تعالى :﴿فأما من أوتي كتابه بيمينه﴾ أي : الذي أثبتت فيه أعماله ﴿فيقول﴾ لما رأى من سعادته تبجعاً بحاله وإظهاراً لنعمة ربه ؛ لأن الإنسان مطبوع على أن يظهر ما آتاه الله تعالى من خير تكميلاً للذته قيل : إنه تكتب سيئاته في باطن صحيفته وحسناته في ظاهرها فيقرأ الباطن ويقرأ الناس الظاهر، فإذا أنهاه قيل له : قد غفرها الله تعالى اقلب الصحيفة، فحينئذ يكون قوله :﴿هاؤم اقرؤوا﴾ أي : خذوا اقرؤوا ﴿كتابيه﴾ يقول ذلك ثقة بالإسلام وسروراً بنجاته ؛ لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرح قال الشاعر :
*إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين*
قال ابن عباس رضي الله عنهما : أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وله شعاع كشعاع الشمس قيل : فأين أبو بكر ؟
قال : هيهات زفته الملائكة إلى الجنة، وقال ابن زيد : معنى هاؤم : تعالوا، فيتعدى بإلى. وقال مقاتل : هلمّ، وقال غيره : خذوا، ومنه الحديث في الربا "إلا هاء وهاء"، أي : يقول كل لصاحبه : خذ، وهذا هو المشهور، ولذلك فسرت به الآية الكريمة. وقيل : هي كلمة وضعت لإجابة الداعي عند الفرح والنشاط، وفي الحديث "أنه ﷺ ناداه أعرابي بصوت عال فأجابه النبي ﷺ هاؤم بصولة صوته". وقيل : معناها اقصروا وزعم هؤلاء أنها مركبة من ها التنبيه وأموا أمر من الأمّ وهو القصد فصيّره التخفيف والاستعمال إلى هاؤم، وقيل : الميم ضمير جماعة الذكور وزعم العتبي أن الهمزة بدل من الكاف، قال ابن عادل : فإن عنى أنها تحل محلها فصحيح، وإن عني البدل الصناعي فليس بصحيح.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١١
تنبيه : كتابيه منصوب بهاؤم عند الكوفيين، وعند البصريين باقرؤوا لأنه أقرب العاملين، والأصل : كتابي فأدخل الهاء لتتبين صحة الياء والهاء في ﴿كتابيه﴾ و ﴿حسابيه﴾ و ﴿سلطانيه﴾ و ﴿ماليه﴾ للسكت وكان حقها أن تحذف وصلاً وتثبت وقفاً، وإنما أجري الوصل مجرى الوقف أو وصل بنية الوقف في كتابيه وحسابيه اتفاقاً، فأثبت الهاء وكذا في ﴿ماليه﴾ (الحاقة : ٢٨)
و ﴿سلطانيه﴾
٤١٢
(الحاقة : ٢٩)
و ﴿ماهيه﴾ (القارعة : ١٠)
في القارعة عند القراء كلهم إلا حمزة، فإنه حذف الهاء من هذه الكلم الثلاثة وصلاً وأثبتها وقفاً ؛ لأنها في الوقف محتاج إليها لتحصين حركة الموقوف عليه، وفي الوصل مستغنى عنها.
فإن قيل : فلم لم يفعل ذلك في ﴿كتابيه﴾ و ﴿حسابيه﴾ ؟
أجيب : بأنه جمع بين اللغتين.
﴿إني ظننت﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : أي : أيقنت وعلمت. وقيل : ظننت بأن يؤاخذني الله بسيئاتي فقد تفضل عليّ بعفوه ولم يؤاخذني بها. وقال الضحاك : كل ظن من المؤمن في القرآن فهو يقين ومن الكافر فهو شك. وقال مجاهد رضي الله عنه : ظن الآخرة يقين وظن الدنيا شك. وقال الحسن رضي الله عنه في هذه الآية : إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن المنافق أساء بربه الظن فأساء العمل.