قال الرازي : وهذا بعدما حبس عنهم المطر سنين ا. ه. قال الجلال المحلي : سبع سنين. وقال عمر رضي الله تعالى عنه : أينما كان الماء كان المال، وأينما كان المال كانت الفتنة. وقال الحسن وغيره : كانوا سامعين مطيعين، ففتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر ففتنوا بها فوثبوا بإمامهم فقتلوه يعني عثمان رضي الله تعالى عنه. قال البقاعي : ويجوز أن يكون مستعاراً للعلم وأنواع المعارف الناشئة عن العبادات التي هي للنفوس كالنفوس للأبدان، وتكون الفتنة بمعنى التخليص من الهموم والرذائل في الدنيا والنعم في الآخرة من فتنت الذهب، إذا : خلصته من غشه.
﴿ومن يعرض﴾ أي : إعراضاً مستمراً إلى الموت ﴿عن ذكر ربه﴾ أي : مجاوزاً عن عبادة المحسن إليه المربي له الذي لا إحسان عنده من غيره. وقيل : المراد بالذكر القرآن، وقيل : الوحي. وقيل : الموعظة. ﴿نسلكه﴾ أي : ندخله ﴿عذاباً﴾ يكون مظروفاً فيه كالخيط في ثقب الخرزة في غاية الضيق ﴿صعداً﴾ أي : شاقاً شديداً يعلوه ويغلبه ويصعد عليه، ويكون كل يوم أعلى مما قبله جزاء وفاقاً. وقال ابن عباس : هو جبل في جهنم. قال الخدري : كلما جعلوا أيديهم عليه ذابت. وعن ابن عباس : أنّ المعنى مشقة من العذاب، لأنّ الصعد في اللغة هو المشقة، تقول : تصعدني الأمر إذا شق عليك، ومنه قول عمر : ما تصعدني شيء ما تصعدني في خطبة النكاح، يريد ما شق علي وما غلبني والمشي في الصعود يشق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٧
وقال عكرمة : هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم. وقال الكلبي : يكلف الوليد بن المغيرة أن يصعد جبلاً في النار من صخرة ملساء يجذب من أمامه بسلاسل ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها ولا يبلغ في أربعين سنة، فإذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها، ثم يكلف أيضاً الصعود فذاك دأبه أبداً وهو قوله تعالى :﴿سأرهقه صعوداً﴾ (المدثر : ١٧)
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالياء التحتية على الغيبة لإعادة الضمير على الله تعالى والباقون بالنون على الالتفات وهذا كما في قوله تعالى :﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً﴾ (الإسراء : ١٠)
ثم قال :﴿باركنا حوله لنريه من آياتنا﴾ (الإسراء : ١)
واتفقوا على فتح الهمزة في قوله تعالى :
﴿وأن﴾ أي : وأوحي إليَّ أنّ ﴿المساجد لله﴾ أي : مختصة بالملك الأعظم والمساجد قيل جمع مسجد بالكسر وهو موضع السجود، وقال الحسن : أراد بها كل البقاع لأنّ الأرض جعلت كلها مسجداً للنبيّ ﷺ يقول :"أينما كنتم فصلوا وأينما صليتم فهو مسجد". وقيل : إنه جمع مسجد بالفتح مراداً به الأعضاء الواردة في الحديث :
٤٤٩
الجبهة والأنف والركبتان واليدان والقدمان وهو قول سعيد بن المسيب، وابن حبيب.
والمعنى : أنّ هذه الأعضاء أنعم الله تعالى بها عليك فلا تسجد لغيره فتجحد نعمة الله. قال عطاء : مساجدك أعضاؤك التي أمرت بالسجود عليها لا تذللها لغير خالقها، قال ﷺ "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم" وذكر الحديث. وقال ﷺ "إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب". قال ابن الأثير : الآراب الأعضاء. وهذا القول اختاره ابن الأنباري. وقيل : بل جمع مسجد وهو مصدر بمعنى السجود ويكون الجمع لاختلاف الأنواع. وقال القرطبي : المراد بها البيوت التي تبنيها أهل الملل للعبادة قال سعيد بن جبير : قالت الجنّ : كيف لنا أن نأتي المساجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك ؟
فنزلت ﴿وأنّ المساجد لله﴾ أي : بنيت لذكر الله تعالى وطاعته. وقال ابن عباس : المساجد هنا مكة التي هي القبلة وسميت مكة مساجد لأنّ كل أحد يسجد إليها.
قال القرطبي : والقول بأنها البيوت المبنية للعبادة أظهر الأقوال إن شاء الله تعالى وهو مروي عن ابن عباس، وإضافة المساجد إلى الله تعالى إضافة تشريف وتكريم وخص منها المسجد العتيق بالذكر فقال تعالى ﴿وطهر بيتي﴾ (الحج : ٢٦)
وهي وإن كانت لله ملكاً وتشريفاً قد تنسب إلى غيره تعريفاً قال ﷺ "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" وفي رواية :"إن صلاة فيه خير من مائة صلاة في مسجدي هذا". قال القرطبي : وهذا حديث صحيح. وفي حديث سَابَق ﷺ بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، ويقال مسجد فلان لأنه حبسه ولا خلاف بين الأمّة في تحبيس المساجد والقناطر والمقابر وإن اختلفوا في تحبيس غير ذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٧


الصفحة التالية
Icon