سورة المزمل
مكية
في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إلا آيتين منها ﴿واصبر على ما يقولون﴾ والتي تليها ذكره الماوردي، وقال الثعلبي :﴿إن ربك يعلم أنك تقوم﴾ إلى آخر السورة فإنه نزل بالمدينة.
وهي تسع عشرة أو عشرون آية، ومائتان وخمس وثمانون كلمة، وثمانمائة وثمانية وثلاثون حرفاً.
﴿بسم الله﴾ الذي من توكل عليه كفاه في جميع الأحوال ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ بنعمة الإيجاد المهتدي والضال ﴿الرحيم﴾ الذي خص حزبه بالسداد في الأفعال والأقوال. وقوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٦
﴿يا أيها المزمّل﴾ أصله : المتزمل فأدغمت التاء في الزاي، يقال : ازمّل يتزمّل تزمّلاً، فإذا أريد الإدغام اجتلبت همزة الوصل، وهذا الخطاب للنبيّ ﷺ وفيه ثلاثة أقوال : الأول : قال عكرمة : يا أيها المزمّل بالنبوّة والملتزم للرسالة، وعنه : يا أيها الذي ازمل هذا الأمر، أي : حمله ثم فتر. والثاني : قال ابن عباس رضي الله عنهما : يا أيها المزمّل بالقرآن. والثالث : قال قتادة رضي الله عنه : يا أيها المزمّل بثيابه. قال النخعي : كان متزملاً بقطيفة عائشة بمرط طوله أربعة عشر ذراعاً قالت عائشة رضي الله عنها :"كان نصفه عليّ وأنا نائمة ونصفه على النبيّ ﷺ وهو يصلي والله ما كان خزاً ولا قزاً ولا مرعزى ولا إبريسماً ولا صوفاً كان سداه شعراً ولحمته وبراً". ذكره الثعلبي، ولحمة الثوب بفتح اللام وضمها والفتح أفصح ولحمة النسب كذلك والضم أفصح ولحمة البازي بالضم لا غير لأنها كاللقمة.
قال القرطبي : وهذا القول من عائشة رضي الله عنها يدل على أنّ السورة مدنية، فإن النبيّ ﷺ لم يبن بها إلا بالمدينة، والقول بأنها مكية لا يصح. وقال الضحاك : تزمل لمنامه وقيل : بلغه
٤٥٧
من المشركين قول سوء فيه فاشتدّ عليه فتزمل وتدثر، فنزلت
﴿يا أيها المزمّل﴾ و﴿يا أيها المدثر﴾ (المدثر : ١)
وقيل : كان هذا في ابتداء ما أوحي إليه "فإنه ﷺ لما جاءه الوحي في غار حراء رجع إلى خديجة رضي الله عنها زوجته يرجف فؤاده، فقال : زملوني زملوني لقد خشيت على نفسي" أي : أن يكون هذا مبادئ شعر أو كهانة، وكل ذلك من الشيطان أو أن يكون الذي ظهر له بالوحي ليس الملك، وكان ﷺ يبغض الشعر والكهانة غاية البغضة، فقالت له، وكانت وزيرة صدق رضي الله تعالى عنها : كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق". ونحو هذا من الكمال الذي يثبت. وقيل : إنه ﷺ كان نائماً في الليل متزملاً في قطيفة، فنبه ونودي بما يهجن تلك الحالة التي كان عليها من التزمل في قطيفته، فقيل له ﴿يا أيها المزمّل﴾ ﴿قم الليل﴾ أي : الذي هو وقت الخلوة والخفية والستر، فصل لنا في كل ليلة من هذا الجنس، وقف بين يدينا بالمناجاة والأنس بما أنزل عليك من كلامنا، فإنا نريد إظهارك وإعلاء قدرك في البرّ والبحر والسرّ والجهر، وقيام الليل في الشرع معناه الصلاة فلذا لم يقيده وهي جامعة لأنواع الأعمال الظاهرة والباطنة وهي عمادها فذكرها دال على ما عداها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٧
ولما كان للبدن حظ في الراحة قال تعالى مستثنياً من الليل ﴿إلا قليلاً﴾ أي : من كل ليلة، فإن الاشتغال بالنوم فعل من لا يهمه أمر ولا يعنيه شأن ألا ترى إلى قول ذي الرمة :
*وكائن تخطت ناقتي من مفازة ** ومن نائم عن نيلها متزمل*
يريد الكسلان المتقاعس الذي لا ينهض في معاظم الأمور وكفايات الخطوب ولا يحمل نفسه المشاق والمتاعب ونحوه.
*سهداً إذا ما نام ليل الهوجل*
٤٥٨
ومن أمثالهم :
*أوردها سعد وسعد مشتمل ** ما هكذا تورد يا سعد الإبل*
فذمه بالاشتمال بكسائه وجعل ذلك خلاف الجلد والكيس، وأمر بأن يختار على الهجود التجهد، وعلى التزمل التشمر والتخفف للعبادة والمجاهدة في الله لا جرم أنّ رسول الله ﷺ قد تشمر لذلك مع أصحابه حق التشمر وأقبلوا على إحياء ليلهم ورفضوا له الرقاد والدعة، وتجاهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم واصفرّت ألوانهم وظهرت السيما في وجوههم وتراقى أمرهم إلى حدّ رحمهم له ربهم فخفف عنهم، وقال الكلبي : إنما تزمّل ﷺ بثيابه ليتهيأ للصلاة وهو اختيار الفرّاء فهو على هذا ليس بتهجين بل هو ثناء عليه وتحسين لحاله التي كان عليها وأمر بأن يدوم على ذلك ويواظب عليه، وعن عكرمة رضي الله عنه أنّ المعنى يا أيها الذي زمل أمراً عظيماً أي حمله، والزمل الحمل.
قال البغوي : قال الحكماء : كان هذا الخطاب للنبيّ ﷺ في أوّل الوحي قبل تبليغ الرسالة، ثم خوطب بعد بالنبيّ والرسول، وقال السيهلي : ليس المزمل من أسماء النبيّ ﷺ كما ذهب إليه بعض الناس، وعدّوه في أسمائه ﷺ وإنما المزمل اسم مشتق من حاله التي كان عليها حين الخطاب، وكذلك المدّثر.
وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان :