جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٦
فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، قالوا : يا رسول الله أينا ذلك الرجل ؟
فقال النبيّ ﷺ أبشروا، فإنّ من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد، ثم قال : أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وفي رواية كالرقة في ذراع الحمار ـ
٤٦٨
وهي بفتح الراء وسكون القاف الأثر الذي في بطن عضد الحمار ـ وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبر القوم، ثم قال : فثلث أهل الجنة فكبروا، ثم قال : شطر أهل الجنة فكبروا" وفي هذا إشارة إلى الاعتناء بهم لأنّ إعطاء الإنسان مرّة بعد مرّة دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته، وفي هذا أيضاً حملهم على تجديد شكر الله تعالى وحمده على إنعامه عليهم وهو تكبيرهم لهذه البشارة العظيمة.
ثم وصف هول ذلك اليوم بقوله تعالى :﴿السماء منفطر﴾ أي : ذات انفطار أي : انشقاق ﴿به﴾ أي : بسبب ذلك اليوم لشدّته فالباء سببية، وجوّز الزمخشري أن تكون للاستعانة فإنه قال : والباء في به مثلها في قولك فطرت العود بالقدوم فانفطر به. وقال القرطبي : معنى به أي : فيه أي : في ذلك اليوم. وقيل : به أي : بالأمر أي : السماء منفطر بما يجعل الولدان شيباً، وقيل : منفطر بالله أي : بأمره.
تنبيه : إنما لم تؤنث الصفة لوجوه، منها : قال أبو عمرو بن العلاء : لأنها بمعنى السقف تقول هذا سماء البيت قال تعالى :﴿وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً﴾ (الأنبياء : ٣٢)
. ومنها أنها على النسبة أي : ذات انفطار، نحو امرأة مرضع وحائض أي : ذات إرضاع وذات حيض. ومنها أنها تذكر وتؤنث أنشد الفراء :
*فلو رفع السماء إليه قوماً ** لحقنا بالسماء وبالسحاب
ومنها : أنه اسم جنس يفرق بينه وبين واحده بالتاء فيقال : سماءة واسم الجنس يذكر ويؤنث ولهذا قال أبو علي الفارسي : هو كقوله تعالى ﴿منتشر﴾ (القمر : ٧)
و ﴿أعجاز نخل منعقر﴾ (القمر : ٢٠)
يعني : فجاء على أحد الجائزين، أو لأنّ تأنيثها ليس بحقيقي وما كان كذلك جاز تذكيره. قال الشاعر :
*................... والمها ** بالإثمد الحبرى مكحول*
والضمير في قوله تعالى :﴿كان وعده مفعولاً﴾ يجوز أن يكون لله وإن لم يجر له ذكر للعلم به فيكون المصدر مضافاً لفاعله، ويجوز أن يكون لليوم فيكون مضافاً لمفعوله والفاعل وهو الله تعالى مقدّر. قال المفسرون : كان وعده بالقيامة والحساب والجزاء مفعولاً كائناً لا شك فيه ولا خلف. وقال مقاتل : كان وعده بأن يظهر دينه على الدين كله.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٦
إن هذه﴾
أي : الآيات الناطقة بالوعيد الشديد أو السورة ﴿تذكرة﴾ أي : تذكير عظيم هو أهل لأن يتعظ به، ويعتبر به المعتبر ولاسيما ما ذكر فيها لأهل الكفر من العذاب.
٤٦٩
ولما كان سبحانه قد جعل للإنسان عقلاً يدرك به الحسن والقبيح واختياراً يتمكن به من اتباع ما يريد فلم يبق له مانع من جهة اختيار الأصلح والأحسن إلا قهر المشيئة التي لا اطلاع له عليها ولا حيلة له فيها سبب عن ذلك قوله تعالى :﴿فمن شاء اتخذ﴾ أي : بغاية جهده ﴿إلى ربه﴾ أي : المحسن إليه خاصة لا إلى غيره ﴿سبيلاً﴾ أي : طريقاً إلى رضاه ورحمته فليرغب فقد أمكن له ؛ لأنه أظهر له الحجج والدلائل. قيل : نسخت بآية السيف، وكذلك قوله تعالى :﴿فمن شاء ذكره﴾ (المدثر : ٥٥)
قال الثعلبي : والأشبه أنه غير منسوخ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٦
﴿إنّ ربك﴾ أي : المدبر لأمرك على ما يكون إحساناً إليك ورفقاً بك ﴿يعلم أنك تقوم﴾ أي : في الصلاة كما أمرت به أوّل السورة ﴿أدنى﴾ أي : زماناً أقل والأدنى مشترك بين الأقرب والأدون الأنزل رتبة ؛ لأنّ كلاً منهما يلزم عنه قلة المسافة. ﴿من ثلثي الليل﴾ وقرأ ﴿ونصفه وثلثه﴾ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي بنصب الفاء بعد الصاد ونصب المثلثة بعد اللام ورفع الهاء فيهما عطف على أدنى والباقون بكسر الفاء والمثلثة وكسر الهاء فيهما عطف على ضمير تقوم وقيامه كذلك مطابق لما وقع التخيير فيه أوّل السورة من قيام النصف بتمامه، أو الناقص منه وهو الثلث، أو الزائد عليه وهو الثلثان، أو الأقل من الأقل من النصف وهو الربع.
وقوله تعالى :﴿وطائفة من الذين معك﴾ عطف على ضمير تقوم، وجاز من غير تأكيد للفصل وقيام طائفة من أصحابه كذلك للتأسي به، ومنهم من كان لا يدري كم يصلي من الليل وكم بقي منه، فكان يقوم الليل كله احتياطاً فقاموا حتى انتفخت أقدامهم سنة وأكثر، فخفف عنهم بقوله تعالى :﴿والله﴾ أي : المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿يقدّر﴾ أي : تقديراً عظيماً هو في غاية التحرير ﴿الليل والنهار﴾ أي : هو العالم بمقادير الليل والنهار، فيعلم القدر الذي تقومون من الليل والذي تنامون منه.


الصفحة التالية
Icon