والعرب تقول في وصف الرجل بالصدق والوفاء طاهر الثياب، ويقولون لمن غدر إنه لدنس الثياب. وقال أبيّ بن كعب : لا تلبسها على غدر ولا على ظلم ولا على إثم البسها وأنت برّ طاهر.
٤٧٧
وقال الحسن والقرطبي : وخلقك فحسن. وقال سعيد بن جبير : وقلبك وبيتك فطهر. وقال مجاهد وابن زيد : وعملك فأصلح. وروى منصور عن أبي رزين قال : يقول : وعملك أصلح. قال : وإذا كان الرجل خبيث العمل قالوا : إنّ فلاناً نجس الثياب. ومنه قوله ﷺ "يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات عليهما يعني عمله الصالح والطالح" ذكره الماوردي. وقيل : المراد بالثياب الأهل أي : طهرهم من الخطايا بالموعظة والتأديب والعرب تسمي الأهل ثوباً ولباساً وإزاراً. قال تعالى :﴿هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ﴾ (البقرة : ١٨٧)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٤
وقيل : المراد به الدين أي : ودينك فطهر جاء في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال :"رأيت الناس وعليهم ثياب منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك ورأيت عمر بن الخطاب وعليه إزار يجرّه قالوا : يا رسول الله، فما أولت ذلك ؟
قال : الدين".
وقوله تعالى :﴿والرجز﴾ فسره النبيّ ﷺ بالأوثان ﴿فاهجر﴾ أي : دم على هجره. وقيل : الزاي فيه منقلبة من السين والعرب تعاقب بين السين والزاي لقرب مخرجيهما دليل هذا التأويل قوله تعالى :﴿فاجتنبوا الرجس من الأوثان﴾ (الحج : ٣٠)
وروي عن ابن عباس أنّ معناه : اترك المآثم، وقرأ حفص بضم الراء والباقون بكسرها، وهما لغتان ومعناهما واحد، وقال أبو العالية : الرجز بضم الراء الصنم وبالكسر النجاسة والمعصية، وقال الضحاك : يعني الشرك. وقال الكلبي : يعني العذاب. قال البغويّ : ومجاز الآية اهجر ما أوجب لك العذاب من الأعمال.
وقوله تعالى :﴿ولا تمنن تستكثر﴾ مرفوع منصوب المحل على الحال أي : لا تعط مستكثراً رائياً لما تعطيه كثيراً واجعله خالصاً لله تعالى ولا تطلب عوضاً أصلاً، ومعنى تستكثر أي : طالباً للكثرة كارهاً أن ينقص المال بسبب العطاء، فيكون الاستكثار هنا عبارة عن طلب العوض كيف كان ليكون عطاؤه ﷺ خالياً عن انتظار العوض والتفات النفس إليه. وقيل : لا تعط شيئاً طالباً للكثير نهى عن الاستقرار وهو أن يهب شيئاً وهو يطمع أن يعوض من الموهوب له أكثر من الموهوب وهذا جائز ومنه الحديث :"المستكثر يثاب من هبته" وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون نهياً خاصاً برسول الله ﷺ وهو ظاهر الآية ؛ لأنّ الله تعالى اختار له أشرف الآداب وأحسن الأخلاق والثاني : أنه نهي تنزيه لا تحريم له ولأمّته. وقيل : إنه تعالى لما أمره بأربعة أشياء : إنذار القوم وتكبير الرب وتطهير الثياب وهجر الرجز.
ثم قال :﴿ولا تمنن تستكثر﴾ أي : لا تمنن على ربك بهذه الأعمال الشاقة كالمستكثر لما تفعله ﴿ولربك فاصبر﴾ أي : على الأوامر والنواهي متقرّباً بذلك إليه غير ممتن به عليه. وقال الحسن : بحسناتك تستكثرها. وقال ابن عباس : ولا تعط عطية ملتمساً بها أفضل منها. وقيل : لا تمنن على الناس بما تعلمهم من أمر الدين والوحي مستكثراً بذلك الإنعام، فإنك إنما فعلت ذلك بأمر الله تبارك وتعالى فلا منة لك به عليهم.
ولهذا قال تعالى :﴿ولربك فاصبر﴾ وقيل : لا تمنن عليهم بنبوّتك لتستكثر أي : لا تأخذ منهم
٤٧٨
أجراً على ذلك تستكثر به مالك، وقال مجاهد والربيع : لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير فإنه مما أنعم الله تعالى به عليك. وقال ابن كيسان : لا تستكثر عملك فتراه من نفسك إنما عملك منة من الله تعالى عليك إذ جعل لك الله تعالى سبيلاً إلى عبادته. وقال زيد بن أسلم : إذا أعطيت عطية فأعطها لربك لا تقل : دعوت فلم يستجب لي. وقيل : لا تفعل الخير لترائي به الناس.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٤
ولما ذكر تعالى ما يتعلق بإرشاد النبيّ ﷺ ذكر بعده وعيد الأشقياء بقوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٤
﴿فإذا نقر﴾ أي : نفخ ﴿في الناقور﴾ أي : في الصور وهو القرن النفخة الثانية فاعول من النقر أي : من التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت والفاء للسببية كأنه قال تعالى : اصبر على زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك وأعداؤك عاقبة ضرهم.
وإذا ظرف لما دل عليه قوله تعالى :﴿فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين﴾ لأنّ معناه : عسر الأمر على الكافرين وذلك إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ خبره يوم عسير ويومئذ بدل أو ظرف لخبره إذ التقدير فذلك الوقت وقوع يوم عسير وقرأ على الكافرين وأصحاب النار أبو عمرو والدوري عن الكسائي بالإمالة محضة، وقرأ ورش بين اللفظين والباقون بالفتح.


الصفحة التالية
Icon