ولما كان العسر قد يطلق على الشيء وفيه يسر من بعض الجهات أو يعالج فيرجع يسيراً بين أنه ليس كذلك بقوله تعالى :﴿غير يسير﴾ فجمع فيه بين إثبات الشيء ونفي ضدّه تحقيقاً لأمره ودفعاً للمجاز عنه، وتقييده بالكافرين يشعر بيسره على المؤمنين فإنهم لا يناقشون الحساب ويحشرون بيض الوجوه ثقال الموازين. قال الرازي : ويحتمل أنه عسير على المؤمنين والكافرين إلا أنه على الكافرين أشد.
تنبيه : قال الحليمي : سمي الصور باسمين فإن كان هو الذي ينفخ فيه النفختان فإنّ نفخة الإصعاق بخلاف نفخة الإحياء.
وجاء في الأخبار أنّ في الصور ثقباً بعدد الأرواح كلها وأنها تجمع في تلك الثقب في النفخة الثانية فتخرج عند النفخ من كل ثقبة روح إلى الجسد الذي نزعت منه فيعود الجسد حياً بإذن الله تعالى.
﴿ذرني﴾ أي : اتركني على أي حالة اتفقت ﴿ومن خلقت﴾ معطوف على المفعول أو مفعول معه.
وقوله تعالى :﴿وحيداً﴾ فيه أوجه : أحدها : أنه حال من الياء في ذرني أي : ذرني وحدي معه فأنا أكفيك في الانتقام منه، الثاني : أنه حال من التاء في خلقت أي : خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد فأنا أهلكه، الثالث : أنه حال من عائد المحذوف أي : خلقته وحيداً، فوحيداً على هذا حال من ضمير المفعول المحذوف أي : خلقته في بطن أمّه وحيداً لا مال له ولا ولد، ثم أعطيته بعد ذلك ما أعطيته، قاله مجاهد. الرابع : أن ينتصب على الذم لأنه يقال : إنّ وحيداً كان لقباً للوليد بن المغيرة المخزومي ومعنى وحيداً : ذليلاً قيل : إنه كان يزعم أنه وحيد في فضله وماله وليس في ذلك ما يقتضي صدق مقالته لأنّ هذا اللقب له شهرة به، وقد يلقب الإنسان بما لا يتصف به وإذا كان لقباً تعين نصبه على الذم. قال ابن عباس : كان الوليد يقول : أنا الوحيد بن الوحيد ليس لي في العرب نظير ولا لأبي المغيرة نظير.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٩
قال الرازي : وردّ هذا القول بعضهم بأنه تعالى لا يصدقه في دعواه تلك بأنه وحيد لا نظير له
٤٧٩
ذكره الواحدي وهو ضعيف من وجوه ثلاثة : لأنه قد يكون الوحيد علماً فيزول السؤال لأنّ اسم العلم لا يفيد في المسمى صفة بل هو قائم مقام الإشارة. الثاني : أن يكون ذلك بحسب ظنه واعتقاده كقوله عز وجل ﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ (الدخان : ٤٩)
. الثالث : أنه وحيد في كفره وعناده وخبثه لأن لفظ الوحيد ليس فيه أنه وحيد في العلو والشرف. الرابع : قال أبو سعيد : الوحيد الذي لا أب له كما تقدم في الزنيم.
﴿وجعلت له﴾ أي : بأسباب أوجدتها أنا وحدي لا بحول منه ولا قوة بدليل أن غيره أقوى منه بدناً وقلباً وأوسع فكراً وعقلاً وهو دونه في ذلك ﴿مالاً ممدوداً﴾ أي : مالاً واسعاً كثيراً. قال ابن عباس : هو ما كان للوليد بمكة والطائف من الإبل و البقر والغنم والحجور والجنان والعبيد والجواري، واختلفوا في مبلغه فقال مجاهد وسعيد بن جبير : ألف دينار. وقال قتادة : ستة آلاف دينار. وقال سفيان الثوري : مرة أربعة آلاف دينار ومرة ألف ألف دينار وقال ابن عباس : تسعة آلاف مثقال فضة وقال الرازي : الممدود هو الذي يكون له مدد يأتي منه الجزء بعد الجزء دائماً ولذلك فسره عمر غلة شهر بشهر. وقال النعمان : الممدود بالزيادة كالزروع والضروع وأنواع التجارات وقال مقاتل : كان له بستان بالطائف لاتنقطع ثماره شتاء ولا صيفاً.
﴿وبنين﴾ أي : وجعلت له بنين ﴿شهوداً﴾ أي : حضوراً معه لغناهم عن الأسفار بكثرة المال وانتشار الخدم وقوة الأعوان وهم مع حضورهم في الذروة من الحضور بتمام العقل وقوة الحذق، فهم في غاية المعرفة ومع ذلك فهم أعيان المجالس وصدور المحافل كأنه لا شاهد به غيرهم. قال مجاهد وقتادة : كانوا عشرة. وقال السدي والضحاك : كانوا اثني عشر رجلاً، وعن الضحاك سبعة ولدوا بمكة وخمسة بالطائف. وقال مقاتل : كانوا سبعة ولعله اقتصر على من ولد بمكة وعلى كل قول أسلم منهم ثلاثة خالد الذي منّ الله تعالى على المسلمين بإسلامه فكان سيف الله وسيف رسوله ﷺ وهشام وعمارة.
﴿ومهدت﴾ أي : بسطت ﴿له﴾ العيش والعمر والولد، والتمهيد عند العرب التوطئة والتهيئة ومنه مهد الصبي. وقال ابن عباس : أي : وسعت له ما بين اليمن إلى الشام وعن مجاهد أنه المال بعضه فوق بعض كما يمهد الفراش فلم يرع هذه النعمة العظيمة.
وقوله تعالى ﴿تمهيداً﴾ تأكيد.
﴿ثم﴾ أي : بعد الأمر العظيم الذي ارتكبه من تكذيب رسول الله ﷺ ﴿يطمع﴾ أي : بغير سبب يدلي به مما جعلناه سبب المزيد من الشكر ﴿أن أزيد﴾ أي : فيما آتيته في دنياه أو في آخرته وهو يكذب رسولنا ﷺ وقال الحسن : ثم يطمع أن أحله الجنة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٩


الصفحة التالية
Icon