﴿قالوا﴾ أي : المنكرون للبعث ﴿تلك﴾ أي : رجعتنا العجيبة إلى الحياة ﴿إذاً﴾ أي : إن صحت ﴿كرّة﴾ أي : رجعة ﴿خاسرة﴾ أي : ذات خسران أو خسار أصحابها، والمعنى : إن صحت فنحن إذاً خاسرون بتكذيبنا وهو استهزاء منهم. وعن الحسن رضي الله عنه أن خاسرة بمعنى كاذبة، أي : ليست كائنة.
قال الله تعالى :﴿فإنما هي﴾ أي : الرادفة التي يتبعها البعث ﴿زجرة﴾ أي : صيحة بانتهار تتضمن الأمر بالقيام والسوق إلى المحشر والمنع من التخلف ﴿واحدة﴾ عبر بالزجرة لأنه أشدّ من النهي، لأنها صيحة لا يتخلف عنها القيام أصلاً فكان كأنه بلسان قال عن تلك الصيحة : أيها الأجساد البالية انتهي عن الرقاد وقومي إلى الميعاد بما حكمنا به من المعاد، فقد انتهى زمن الحصاد، وآن أوان الاجتناء لما قدّم من الزاد، فيا خسارة من ليس له زاد.
﴿فإذا هم﴾ أي : فتسبب عن تلك النفخة وهي الثانية أن كل الخلائق ﴿بالساهرة﴾ أي : صاروا على وجه الأرض بعدما كانوا في جوفها. والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض ساهرة، قال بعض أهل اللغة : تراهم سموها ساهرة لأنّ فيها نوم الحيوان وسهرهم. قال سفيان رضي الله عنه : هي أرض الشام، وقال قتادة رضي الله عنه : هي جهنم.
فإن قيل : بم يتعلق ﴿فإنما هي زجرة واحدة﴾ ؟
أجيب : بأنه متعلق بمحذوف معناه لا تستصعبوها ﴿فإنما هي زجرة واحدة﴾ يعني : لا تحسبوا تلك الكرّة صعبة على الله تعالى، فإنها سهلة هينة في قدرته تعالى.
وقال الزمخشري : الساهرة الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك، لأنّ السراب يجري فيها من قولهم : عين ساهرة أي : جارية الماء وفي ضدها نائمة. قال الأشعث بن قيس :
*وساهرة يضحى السراب مجللاً ** لأقطارها قد جبتها متلثما*
أو لأنّ سالكها لا ينام خوف الهلكة. وقال الراغب : هي وجه الأرض. وقيل : أرض القيامة، وحقيقتها التي يكثر الوطء بها كأنها سهرت من ذلك، والأسهران عرقان في الأنف، والساهور غلاف القمر الذي يدخل فيه عند كسوفه. وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الساهرة أرض من فضة لم يعص الله عليها قط جعلها حينئذ، وقيل : الساهرة اسم للأرض السابعة يأتي بها الله تعالى فيحاسب عليها الخلائق، وذلك حين تبدّل الأرض غير الأرض وقال وهب بن منبه : جبل بيت المقدس. وقال عثمان بن أبي العاتكة : إنه اسم مكان من الأرض بعينه بالشأم، وهو الصقع الذي بين جبل أريحاء وجبل حسان يمدّه الله تعالى كيف شاء.
٥٤٠
ثم إنّ الله تعالى سلى نبيه ﷺ بقوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٣٧
﴿هل أتاك﴾ يا أشرف الخلق ﴿حديث موسى﴾ أي : أليس قد أتاك حديثه، فيسليك على تكذيب قومك ويهدّدهم عليه بأن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم، فإنه كان أقوى أهل الأرض بما كان له من كثرة الجنود فلما أصرّ على التكذيب ولم يرجع ولا أفاده التأديب أغرقناه وآله، ولم نبقِ منهم أحداً، وقد كانوا لا يحصون عدداً بحيث قيل : إنّ طليعته كانت على عدد بني إسرائيل ستمائة ألف فكيف بقومك الضعاف.
وقوله تعالى :﴿إذ﴾ أي : حين ﴿ناداه﴾ منصوب بحديث لا بأتاك ﴿ربه﴾ أي : المحسن إليه بالرسالة وغيرها ﴿بالواد المقدّس﴾ أي : المطهر غاية الطهر بتشريف الله تعالى له بإنزال النبوّة المفيضة للبركات. وقوله تعالى :﴿طوى﴾ اسم الوادي وهو الذي طوي فيه الشرّ عن بني إسرائيل، ومن أراد الله تعالى من خلقه ونشر فيه بركات النبوّة على جميع أهل الأرض المسلم بإسلامه وغيره برفع عذاب الاستئصال عنه، فإن العلماء قالوا : إنّ عذاب الاستئصال ارتفع حين أنزلت التوراة، وهو واد بالطور بين إيلة ومصر، وقرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو بغير تنوين في الوصل والباقون بالتنوين.
وقوله تعالى :﴿اذهب إلى فرعون﴾ أي : ملك مصر الذي كان يستعبد بني إسرائيل على إرادة القول ﴿إنه طغى﴾ أي : تجاوز الحدّ في الكفر وعلا وتكبر.
وقال الرازي : لم يبين أنه طغى في أي شيء، فقيل : تكبر على الله تعالى وكفر به، وقيل : تكبر على الخلق واستعبدهم.
وروي عن الحسن رضي الله عنه قال : كان فرعون علجاً من همدان، وقال مجاهد رضي الله عنه : كان من أهل إصطخر. وعن الحسن أيضاً : كان من أصبهان يقال له : ذو الظفر طوله أربعة أشبار.
وقوله تعالى :﴿فقل﴾ أي : له ﴿هل لك﴾ أي : هل لك سبيل ﴿إلى أن تزكى﴾ أي : تتطهر من الكفر والطغيان. قال ابن عباس رضي الله عنهما : بأن تشهد أن لا إله إلا الله. وقال أبو البقاء : لما كان المعنى أدعوك جاء بإلى، وقال غيره : يقال هل لك في كذا، وهل لك إلى كذا كما تقول : هل ترغب فيه وهل ترغب إليه. وقرأ نافع وابن كثير بتشديد الزاي، والأصل تتزكى والباقون بتخفيفها.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٤١
وأهديك إلى ربك﴾ أي : وأنبهك على معرفة المحسن إليه ﴿فتخشى﴾ لأنّ الخشية لا تكون إلا بالمعرفة قال الله تعالى :﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ (فاطر : ٢٨)