تنبيه : سمي بذلك لرقته، ومنه الشفقة على الإنسان رقة القلب عليه واللام في لا أقسم مزيدة للتأكيد.
﴿والليل﴾ أي : الذي يغلبه ويذهبه ﴿وما وسق﴾ أي : ما جمع وضم يقال وسقه فاتسق واستوسق قال الشاعر :
*مستوسقات لو يجدن سائقاً*
ونظيره في وقوع افتعل واستفعل مطاوعين اتسع واستوسع، ومعناه : وما جمعه وستره وآوى إليه من الدواب وغيرها.
﴿والقمر﴾ أي : الذي هو آيته ﴿إذا اتسق﴾ أي : إذا اجتمع واستوى ليلة أربع عشرة. وقال قتادة : استدار وهو افتعل من الوسق.
تنبيه : قد اختلف العلماء في القسم بهذه الأشياء هل هو قسم بها أو بخالقها ؟
فذهب المتكلمون. إلى أنّ القسم واقع بربها وإن كان محذوفاً ؛ لأنّ ذلك معلوم من حيث ورود الحظر بأن يقسم بغير الله تعالى أو بصفة من صفاته، وقد مرّ أنّ ذلك يكره في حق الإنسان، فإنّ الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه وجواب القسم.
﴿لتركبنّ﴾ أي : أيها الناس، أصله تركبون حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال والواو لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بفتح الباء الموحدة على خطاب الإنسان، والباقون بضمها على خطاب الجمع، وهو معنى الإنسان إذ المراد به الجنس أي : لتركبنّ أيها الإنسان ﴿طبقاً﴾ مجاوزاً ﴿عن طبق﴾ أي : حالاً بعد حال. قال عكرمة : رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ. وعن ابن عباس : الموت ثم البعث ثم العرض. وعن عطاء : مرّة فقيراً ومرّة غنياً. وقال أبو عبيدة : لتركبن سنن من كان قبلكم وأحوالهم لما روي أنه ﷺ قال :"لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟
قال : فمن ؟
".
٥٨٠
وقوله تعالى :﴿فما لهم﴾ أي : الكفار ﴿لا يؤمنون﴾ استفهام إنكار، أي : أيّ مانع لهم من الإيمان، أو أي حجة في تركه بعد وجود براهينه.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٨٠
و﴾ ما لهم ﴿إذا قرئ﴾ أي : من أي : قارئ قراءة مشروعة ﴿عليهم القرآن﴾ أي : الجامع لكل ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم الفارق بين كل ملتبس ﴿لا يسجدون﴾ أي : لا يخضعون بأن يؤمنوا به لإعجازه، أو لا يصلون، قاله مقاتل، أو لا يسجدون لتلاوته لما روى أنه ﷺ "قرأ ﴿واسجد واقترب﴾ (العلق : ١٩)
فسجد ومن معه من المؤمنين وقريش تصفق رؤوسهم فنزلت". وعن أبي هريرة قال :"سجدنا مع رسول الله ﷺ في ﴿اقرأ باسم ربك﴾ و﴿إذا السماء انشقت﴾". وعن نافع قال : صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ ﴿إذا السماء انشقت﴾ فسجد فقلت : ما هذه ؟
قال : سجدت بها خلف أبي القاسم ﷺ فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه. وليس في ذلك دلالة على وجوبها فهي مندوبة. وعن الحسن : هي واجبة. واحتج أبو حنيفة على وجوب السجود بأنه تعالى ذمّ من سمعه ولم يسجد. وعن ابن عباس : ليس في المفصل سجدة، وما روى أبو هريرة يخالفه. وعن أنس : صليت خلف أبي بكر وعمر وعثمان فسجدوا.
﴿بل الذين كفروا يكذبون﴾ أي : بالقرآن والبعث.
﴿والله أعلم بما يوعون﴾ أي : بما يجمعون في صدورهم ويضمرون من الكفر والحسد والبغي والبغضاء، أو بما يجمعون في صحفهم من الكفر والتكذيب وأعمال السوء، ويدخرون لأنفسهم من أنواع العذاب.
وقوله تعالى :﴿فبشرهم بعذاب أليم﴾ أي : مؤلم استهزاء بهم، أو أنّ البشارة بمعنى الإخبار، أي : أخبرهم.
وقوله تعالى :﴿إلا﴾ استثناء منقطع، أي : لكن ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ تحقيقاً لإيمانهم ﴿لهم أجر غير ممنون﴾ أي : غير مقطوع ولا منقوص ولا ممنون به عليهم. وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري : أنّ النبيّ ﷺ قال :"من قرأ ﴿إذا السماء انشقت﴾ أعاذه الله تعالى أن يعطيه كتابه وراء ظهره" حديث موضوع.
٥٨١
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٨٠