والثاني : أنه كان يتد أربعة أوتاد يشدّ إليها يدي ورجلي من يعذبه وعن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : إنّ فرعون إنما سمي ذا الأوتاد لأنه كانت امرأة وهي امرأة خازنه حزقيل، وكان مؤمناً كتم إيمانه مائة سنة وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون فبينما هي ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون إذا سقط المشط من يدها فقالت : تعس من كفر بالله، فقالت بنت فرعون : وهل لك إله غير أبي ؟
فقال : إلهي وإله أبيك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي، قال : ما يبكيك ؟
فقالت : الماشطة امرأة خازنك تزعم أنّ إلهك وإلهها وإله السموات والأرض واحد لا شريك له، فأرسل إليها فسألها عن ذلك، فقالت : صدقت. فقال لها : ويحك اكفري بإلهك وأقرّي بأني إلهك، قالت : لا أفعل فمدّها بين أربعة أوتاد ثم أرسل عليها الحيات والعقارب، وقال لها : اكفري بالله وإلا عذبتك بهذا العذاب شهرين فقالت له : لو عذبتني
٦١٠
سبعين شهراً ما كفرت بالله، وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على فيها، وقال لها : اكفري بالله وإلا ذبحت الصغرى على فيك وكانت رضيعة فقالت : لو ذبحت من في الأرض على فيّ ما كفرت بالله عز وجل، فأتى بابنتها فلما اضجعت على صدرها وأراد ذبحها جزعت المرأة فانطق الله تعالى لسان ابنتها فتكلمت، وهي من الأربعة الذين تكلموا أطفالاً وقالت : يا أمّاه لا تجزعي فإن الله تعالى قد بنى لك بيتاً في الجنة فاصبري فإنك تفضين إلى رحمة الله تعالى وكرامته، فذبحت فلم تلبث أن ماتت فاسكنها الله تعالى الجنة قال : وبعث في طلب زوجها حزقيل : فلم يقدروا عليه، فقيل : لفرعون : إنه قد زوى في موضع كذا في جبل كذا فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلي ويليه صفوف من الوحوش خلفه يصلون خلفه، فلما رأيا ذلك انصرفا فقال حزقيل : اللهم أنت تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة ولم يظهر عليّ أحد فأيما هذين الرجلين أظهر عليّ فعجل في عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار، فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن، وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رؤوس الملأ فقال له فرعون : وهل معك غيرك ؟
قال : نعم فلان فدعى به، فقال : حق ما يقول هذا ؟
قال : لا ما رأيت كما قال شيئاً فأعطاه فرعون فأجزل وأما الآخر فقتله ثم صلبه. قال : وكان فرعون قد تزوّج امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت : وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي من فرعون وأنا مسلمة وهو كافر، فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها، فقالت : يا فرعون أنت أشر الخلق وأخبثه عمدت على الماشطة فقتلتها، فقال : لعل بك الجنون الذي كان بها ؟
قالت : ما بي من جنون، وإن إلهي وإلهها وإلهك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له فمزق ما عليها وضربها وأرسل على أبويها فدعاهما فقال لهما : ألا تريان أنّ الجنون الذي كان بالماشطة أصابها. قالت : أعوذ بالله من ذلك إني أشهد أن ربي وربك ورب السموات والأرض واحد لا شريك له، فقال أبوها : يا آسية ألست من خير نساء العماليق وزوجك إله العماليق، قالت : أعوذ بالله من ذلك إن كان ما يقول حقاً فقولا له أن يتوّجني تاجاً تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله، فقال لهما فرعون : أخرجاها عني فمدّها بين أربعة أوتاد يعذبها ففتح الله لها باباً إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت :﴿رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله﴾ (التحريم : ١١)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦١٠
فقبض الله تعالى روحها وأدخلها الجنة. وروي عن أبي هريرة أنّ فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد وجعل على صدرها رحاً واستقبل بها عين الشمس فرفعت رأسها إلى السماء، وقالت :﴿رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة﴾ ففرج الله تعالى عن بيتها في الجنة فرأته.
وقوله تعالى :﴿الذين طغوا﴾، أي : تجبروا ﴿في البلاد﴾ في محل نصب على الذم، ويجوز أن يكون مرفوعاً على هم الذين طغوا في البلاد، أو مجروراً على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون فالضمير يرجع لعاد وثمود وفرعون وقيل : يرجع إلى فرعون خاصة.
﴿فأكثروا﴾، أي : طغاتهم ﴿فيها الفساد﴾، أي : بالقتل والكفر والمعاصي قال القفال : وبالجملة فالفساد ضد الصلاح يتناول جميع أقسام البر، فالفساد يتناول جميع أقسام الإثم فمن عمل بغير أمر الله تعالى وحكم في عباده بالظلم فهو مفسد.
﴿فصب﴾، أي : أنزل إنزالاً هو في غاية القوة ﴿عليهم﴾، أي : في الدنيا ﴿ربك﴾، أي :
٦١١
المحسن إليك بكل جميل ﴿سوط﴾، أي : نوع ﴿عذاب﴾ وقال قتادة : يعني ألواناً من العذاب صبه عليهم، وقال أهل المعاني هذا على الاستعارة لأن السوط عندهم غاية العذاب. وقال الفراء : هي كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب، وأصل ذلك أنّ السوط هو عذابهم الذي يعذبون به فجرى إلى كلّ عذاب إذا كان فيه غاية العذاب. وقال الزجاج : جعل سوطهم الذي ضربهم به العذاب.