الذي هو أنعم من الحرير، فتشق الأرض الصلبة التي تكل عنها المعاويل شق النواة مع ما لها من الصلابة التي استعصت بها على الحديد، فتنفلق نصفين وينبت منها سائر ما يريده سبحانه وتعالى فالذي قدر على ذلك قادر على تكوين الموتى في بطن الأرض، وإعادتهم على ما كانوا عليه كما يكون الجنين في البطن، ويشق جميع منافذه من السمع والبصر والفم وغير ذلك من غير أن يدخل هناك بيكار ولا منشار، ثم يخرج من البطن. هكذا إخراج الموتى من غير فرق كل ذلك عليه هين سبحانه. ما أعظم شأنه وأعز سلطانه.
﴿وقال الإنسان﴾ أي : هذا النوع الصادق بالقليل والكثير لما له من النسيان لما أكده عنده من أمر البعث لما له من الإنس بنفسه، والنظر في عطفه على سبيل التعجب أو الدهش والحيرة أو الكافر كما يقول :﴿من بعثنا من مرقدنا﴾ (يس : ٥٢)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٦٥
فيقول له المؤمن :﴿هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون﴾ (يس : ٥٢)
. ﴿ما لها﴾ أي : أيّ شيء ثبت للأرض في هذه الزلزلة الشديدة التي لم يعهد مثلها ولفظت ما في بطنها.
﴿يومئذ﴾ أي : إذ كان ما ذكر من الزلزال وما لزم عنه وقوله تعالى :﴿تحدّث أخبارها﴾ جواب إذا وهو الناصب لها عند الجمهور، ومعنى تحدّث، أي : تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شرّ يومئذ، ثم قيل : هو من قول الله تعالى، وقيل : من قول الإنسان، أي : يقول الإنسان ما لها تحدّث أخبارها متعجباً. روى الترمذي عن أبي هريرة أنه قال :"قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية ﴿يومئذ تحدّث أخبارها﴾ قال :"أتدرون ما أخبارها قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول : عمل يوم كذا وكذا كذا وكذا. قال : فهذه أخبارها".
في تحديثها بأخبارها ثلاثة أقوال :
أحدها : أنّ الله تعالى يقلبها حيواناً ناطقاً فتتكلم بذلك.
ثانيها : أنّ الله تعالى يحدث فيها الكلام.
ثالثها : أن يكون فيها بيان يقوم مقام الكلام. قيل : في الآية تقديم وتأخير تقديره يومئذ تحدث أخبارها فيقول الإنسان مالها أي : تخبر الأرض بما عمل عليها.
﴿بأن ربك﴾ متعلق بتحدِّث، ويجوز أن يتعلق بنفس أخبارها والباء سببية، أي : تحدّث بسبب أن ربك المحسن إليك بأنواع النعم ﴿أوحى لها﴾ أي : أذن لها أن تتكلم بذلك المذكور بالقال أو بالحال على ما مرّ. قال البقاعي : وعدل عن قوله إليها إلى قول الله تعالى :﴿لها﴾ إيذاناً بالإسراع في الإيحاء. وقال البغوي : أوحى إليها واحد. وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة، . وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين، والباقون بالفتح.
وقوله تعالى :﴿يومئذ﴾ بدل من يومئذ قبله منصوب بقوله تعالى :﴿يصدر﴾ أو بأذكر مقدّراً، أي : واذكر يوم إذ كان ما تقدّم وهو حين يقوم الناس من القبور يصدر ﴿الناس﴾ أي : يرجعون من قبورهم إلى ربهم الذي كان لهم بالمرصاد ليفصل بينهم. وقرأ حمزة والكسائي بإشمام الصاد بين الصاد والزاي، والباقون بالصاد الخالصة ﴿أشتاتاً﴾ أي : متفرّقين بحسب مراتبهم في الذوات
٦٦٦
والأحوال من مؤمن وكافر، وآمن وخائف، ومطيع وعاص. وعن ابن عباس : متفرّقين على قدر أعمالهم أهل الإيمان على حدة، أو متفرّقين فأخذ ذات اليمين على الجنة، وأخذ ذات الشمال إلى النار ﴿ليروا﴾ أي : يرى الله تعالى المحسن منهم والمسيء بواسطة من شاء من جنوده، أو بغير واسطة حين يكلم سبحانه كل أحد من غير ترجمان ولا واسطة كما أخبر بذلك رسوله ﷺ ﴿أعمالهم﴾ فيعلموا جزاءها، أو صادرين عن الموقف كل إلى داره ليرى جزاء عمله، ثم سبب عن ذلك قوله تعالى مفصلاً الجملة التي قبله :﴿فمن يعمل﴾ من محسن أو مسيء، مسلم أو كافر ﴿مثقال ذرّة خيراً﴾ أي : من جهة الخير ﴿يره﴾ أي : يرى ثوابه حاضراً لا يغيب عنه شيء منه، لأنّ المحاسب له الإحاطة علماً وقدرة.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٦٥
ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره﴾
فالمؤمن يراه ليشتدّ سروره به، والكافر يوقف على عمله أنه أحبط لبنائه على غير أساس الإيمان، أو على أنه جوزي في الدنيا فهو صورة بلا معنى ليشتدّ ندمه وتبقى حسرته. وعن ابن عباس : من يعمل من الكفار خيراً يره في الدنيا ولا يثاب عليه في الآخرة، ومن يعمل مثقال ذرّة من شر عوقب عليه في الآخرة مع عقاب الشرك، ومن يعمل مثقال ذرّة من شر من المؤمنين يره في الدنيا ولا يعاقب عليه في الآخرة إذا تاب ويتجاوز عنه، وإن عمل مثقال ذرّة من خير يقبل منه ويضاعف في الآخرة
وفي بعض الأحاديث : إنّ الذرّة لا زنة لها، وهذا مثل ضربه الله تعالى ليبين أنه لا يغفل عن عمل ابن آدم صغيراً ولا كبيراً، وهو كقوله تعالى :﴿إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة﴾ (النساء : ٤٠)


الصفحة التالية
Icon