سورة القارعة
مكية
وهي إحدى عشرة آية وست وثلاثون كلمة ومائة واثنان وخمسون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الملك الأعلى ﴿الرحمن﴾ الذي عمت نعمه إيجاده جميع الورى ﴿الرحيم﴾ الذي يخص أولياءه بالتوفيق لما يحب ويرضى.
ولما ختم العاديات بالبعث ذكر صيحته بقوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٧١
﴿القارعة﴾ أي : الصيحة، أو القيامة التي تقرع القلوب بأهوالها والأجرام الكثيفة بالتشقق والانفطار، والأشياء الثابتة بالانتشار. وقوله تعالى :
﴿ما القارعة﴾ تهويل لشأنها وهما مبتدأ وخبر، خبر القارعة، وأكد تعظيمها إعلاماً بأنه مهما خطر في بالك من عظمها فهي أعظم منه، فقال تعالى :
﴿وما أدراك﴾ أي : أعلمك ﴿ما القارعة﴾ أي : إنك لا تعرفها لأنك لم تعهد مثلها، وما الأولى مبتدأ وما بعدها خبره، وما الثانية وخبرها في محل المفعول الثاني لأدري.
واختلف في ناصب ﴿يوم﴾ على وجهين أحدهما أنه بمضمر دلّ عليه القارعة، أي : تقرعهم يوم. وقيل تقديره : تأتي القارعة يوم ﴿يكون الناس﴾ والثاني أنه أذكر مقدّراً فهو مفعول به لا ظرف. وقوله تعالى :﴿كالفراش المبثوث﴾ يجوز أن يكون خبراً للناقصة وأن يكون حالاً من فاعل التامة، أي : يؤخذون ويحشرون شبه الفراش شبههم في الكثرة والانتشار، والضعف والذلة، والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما يتطاير الفراش إلى النار، والفراش طائر معروف. قال قتادة : الفراش الطير الذي يتساقط في النار والسراج، الواحدة فراشة. وقال الفراء : هو الهمج من البعوض والجراد وغيرهما، وبه يضرب المثل في الطيش والهرج يقال : أطيش من فراشة. وأنشدوا :
*فراشة الحلم فرعون العذاب وأن ** تطلب نداه فكلب دونه كلب*
٦٧٢
وفي أمثالهم : أضعف من فراشة، وأذل وأجهل. وسمي فراشاً لتفرشه وانتشاره. وروى مسلم عن جابر قال :"قال رسول الله ﷺ مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهنّ عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي". وفي تشبيه الناس بالفراش مبالغات شتى منها الطيش الذي يلحقهم وانتشارهم في الأرض، وركوب بعضهم بعضاً، والكثرة والضعف، والذلة والمجيء من غير ذهاب، والقصد إلى الداعي من كل جهة، والتطاير إلى النار. قال جرير :
*إنّ الفرزدق ما علمت وقومه ** مثل الفراش غشين نار المصطلى*
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٧٢
والمبثوث المتفرق، وقال تعالى في موضع آخر :﴿كأنهم جراد منتشر﴾ (القمر : ٧)
فإن قيل : كيف شبه الشيء الواحد بالصغير والكبير معاً لأنه شبههم بالجراد المنتشر والفراش المبثوث ؟
أجيب : بأنّ التشبيه بالفراش في ذهاب كل واحد إلى غير جهة الآخر، وأمّا التشبيه بالجراد فبالكثرة والتتابع.
﴿وتكون الجبال﴾ على ما هي عليه من الشدّة والصلابة وأنها صخوراً راسخة ﴿كالعهن﴾ أي : الصوف المصبوغ ألواناً لأنها ملوّنه قال تعالى :﴿ومن الجبال جدد بيض وحمر﴾ (فاطر : ٢٧)
أي : وغير ذلك ﴿المنفوش﴾ أي : المندوف المفرّق الأجزاء فتراها لذلك متطايرة في الجوّ كالهباء المنثور، كما قال تعالى في موضع آخر :﴿هباءً منبثاً﴾ (الواقعة : ٦)
حتى تعود الأرض كلها لا عوج فيها ولا أمّتا.
ثم سبب عن ذلك تعالى مفصلاً لهم :
﴿فأمّا من ثقلت موازينه﴾ أي : برجحان الحسنات، وفي الموازين قولان : أحدهما : أنه جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى، وهذا قول الفراء. والثاني : قال ابن عباس : إنه جمع ميزان له لسان وكفتان لا يوزن فيه إلا الأعمال، فتوزن فيه الصحف المكتوبة فيها الحسنات والسيئات أو الأعمال أنفسها، فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فإذا رجحت فالجنة له، ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة فيخف ميزانه فيدخل النار.


الصفحة التالية
Icon