سورة الإخلاص
مكية
في قول ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة، ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك والسدّي، وهي أربع آيات وخمس عشرة كلمة وسبعة وأربعون حرفاً.
﴿بسم الله﴾ الذي له جميع الكمال ذي الجلال والجمال ﴿الرحمن﴾ الذي أفاض على جميع خلقه عموم الأفضال ﴿الرحيم﴾ الذي خص أهل وداده من نور الإنعام بالإتمام والأكمال.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧١٢
واختلف في سبب نزول سورة ﴿قل هو الله أحد﴾ فروى أبو العالية عن أبيّ بن كعب : أنّ المشركين قالوا لرسول الله ﷺ أنسب لنا ربك فنزلت. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبيّ ﷺ فقال عامر : إلى من تدعنا يا محمد ؟
فقال : إلى الله تعالى، قال : صفه لنا، أمن ذهب هو أم من فضة أم من حديد أم من خشب فنزلت، واهلك الله تعالى أربد بالصاعقة وعامر من الطفيل بالطاعون. وقال الضحاك وقتادة ومقاتل : جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبيّ ﷺ فقالوا : صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك، فإنّ الله تعالى أنزل صفته في التوراة فأخبرنا من أي : شيء هو، وهل يأكل ويشرب، ومن ورث ومن يرثه فنزلت.
تنبيه : هو ضمير الشأن وهو مبتدأ وخبره الله، وأحد بدل أو خبر ثان يدل على مجامع صفات الجلال كما دل الله تعالى على جميع صفات الكمال ؛ إذ الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن التركيب والتعدّد وما يستلزم أحدهما كالجسيمة والتحيز والمشاركة في الحقيقة، وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامّة المقضية للألوهية. فائدة : جاء في الواحد عن العرب لغات كثيرة، يقال : واحد وأحد ووحد ووحيد ووحاد وأحاد وموحد وأوحد، وهذا كله راجع إلى معنى الواحد، وإن كان في ذلك معان لطيفة ولم يجيء في صفات الله تعالى إلا الواحد والأحد.
وقوله تعالى :﴿الله﴾، أي : الذي ثبتت إلهيته وأحديته لا غيره مبتدأ خبره ﴿الصمد﴾ وأخلى هذه الجملة عن العاطف لأنها كالنتيجة للأولى، أو الدليل عليها. والصمد : السيد المصمود إليه في الحوائج، والمعنى : هو الله الذي تعرفونه وتقرّون بأنه خالق السموات والأرض وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإلوهية ولا يشارك فيها وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه، وهو الغني عنهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الصمد هو الذي لا جوف له، وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وقال الربيع : هو الذي لا تعتريه الآفات، وقال مقاتل بن حبان : هو الذي لاعيب
٧١٣
فيه، وقال قتادة : هو الباقي بعد فناء خلقه، وقال سعيد بن جبير : هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وقال السدّي : هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب. تقول العرب : صمدت فلاناً أصمده صمداً بسكون الميم إذا قصدته.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧١٣
وعن أبيّ بن كعب : هو الذي ﴿لم يلد﴾ لأنّ من يلد سيموت، ومن يرث يورث عنه ففسر الصمد بما بعده. وينبغي أن تجعل هذه التفاسير كلها تفسيراً واحداً فإنه متصف بجميعها فكونه لم يلد لأنه لم يجانس ولم يفتقر إلى من يعينه، أو يخلف عنه لامتناع الحاجة والفناء عليه لدوامه في أبديته، والاقتصار على الماضي لوروده ردّا على من قال الملائكة بنات الله، أو العزيز أو المسيح أو غيره.
ولما بين أنه لا فصل له ظهر أنه لا جنس له فدل عليه بقوله تعالى :
﴿ولم يولد﴾ لأنه لو تولد عنه غيره تولد هو عن غيره كما هو المعهود والمعقول، فهو قديم لا أوّل له، بل هو الأوّل الذي لم يسبقه عدم لأنّ الولادة تتكوّن ولا تتشخص إلا بواسطة المادّة وعلاقتها وكل ما كان مادّياً أو كان له علاقة بالمادة كان متولداً عن غيره، والله سبحانه وتعالى منزه عن جميع ذلك.
﴿ولم يكن﴾، أي : لم يتحقق ولم يوجد بوجه من الوجوه ولا بتقدير من التقادير ﴿له﴾، أي : خاصة ﴿كفواً﴾، أي : مثلاً ومساوياً ﴿أحد﴾ على الإطلاق، أي : لا يساويه في قوّة الوجود لأنه لو ساواه في ذلك لكانت مساواته باعتبار الجنس والفصل، فيكون وجوده متولداً عن الازدواج الحاصل من الجنس الذي يكون كالأمّ، والفصل الذي يكون كالأب، وقد ثبت أنه لا يصح بوجه من الوجوه أن يكون في شيء من الولادة، لأنّ وجوب وجوده لذاته فانتفى أن يساويه شيء. وكان الأصل أن يؤخر الظرف ؛ لأنه صلة لكن لما كان المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى قدّم تقديماً للأهمّ، ويجوز أن يكون حالاً من الممتكن في كفؤاً، أو خبراً، أو يكون كفؤاً حالاً من أحد وعطف هاتين الجملتين على الجملة التي قبلهما، لأنّ الثلاث شرح الصمدية النافية لأقسام الأمثال فهي كالجملة الواحدة.
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال :"يقول الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأمّا تكذيبه إياي يقول : لن يعيدني كما بدأني، وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفؤاً أحد". وقرأ حمزة بسكون الفاء والباقون بضمها، وقرأ حفص كفواً بالواو وقفاً ووصلاً، وإذا وقف حمزة وقف بالواو.