وبسقت الشاة ولدت، وأبسقت الناقة وقع في ضرعها اللبن قبل النتاج. وقال سعيد بن جبير : باسقات : مستويات وأفردها بالذكر لفرط ارتفاعها ﴿لها طلع﴾ يجوز أن تكون الجملة حالاً من النخل أو من الضمير في باسقات ويجوز أن يكون الحال وحده لها وطلع فاعل به وقوله تعالى :﴿نضيد﴾ بمعنى منضود بعضها فوق بعض في أكمامها كما في سنبلة الزرع وهو عجيب فإنّ الأشجار الطوال ثمارها بارزة بعضها على بعض لكل واحدة منها أصل يخرج منه كالجوز واللوز والطلع كالسنبلة الواحدة تكون على أصل واحد وقوله تعالى :
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٩
رزقا﴾
يجوز أن يكون حالاً أي مرزوقاً ﴿للعباد﴾ ويجوز أن يكون مفعولاً له وللعباد إمّا صفة وإمّا متعلق بالمصدر، فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى عند ذكر خلق السماء والأرض تبصرة وذكرى وفي الثمار قال رزقاً والثمار أيضاً فيها تبصرة وفي السماء والأرض أيضاً منفعة غير التبصرة والتذكرة.
أجيب : بأنّ الاستدلال وقع لوجود أمرين :
أحدهما : الإعادة. والثاني : البقاء بعد الإعادة فإنّ النبيّ ﷺ كان يخبرهم بحشر وجمع يكون بعده الثواب الدائم والعقاب الدائم وأنكروا ذلك فقال : أما الأوّل فالله القادر على خلق السموات والأرض قادر على خلق الخلق بعد الفناء وأما الثاني فلأنّ البقاء في الدنيا بالرزق والقادر على إخراج الأرزاق من النخل والشجر قادر على أن يرزق بعد الحشر فكان الأولّ تبصرة وتذكرة بالخلق. والثاني : تذكرة بالبقاء والرزق ويدل على هذا الفصل بينهما بقوله تعالى ﴿تبصرة وذكرى﴾ حيث ذكر ذلك بين الآيتين ثم بدأ بذكر الماء وإنزاله وإثبات النبات
تنبيه : لم يقيد هنا العباد بالإنابة وقيده في قوله تعالى :﴿تبصرة وذكرى لكل عبد منيب﴾ لأنّ التذكرة لا تكون إلا للمنيب والرزق يعمّ كل أحد غير أنّ المنيب يأكل ذاكراً أو شاكراً للأنعام، وغيره يأكل كما تأكل الأنعام فلم يخصص بقيد ولما كان في ذلك أعظم مذكر للبصراء بالبعث وبجميع صفات الكمال أتبعه ماله من التذكير بالبعث بخصوصية فقال تعالى ﴿وأحيينا به﴾ أي : الماء بعظمتنا ﴿بلدةً﴾ بالتأنيث إشارة إلى أنها في غاية الضعف والحاجة إلى النبات والخلوّ عنه وذكر ﴿ميتاً﴾ للزيادة في تقرير تمكن الحاجة فيها أو حملاً على معنى المكان فإن قيل : ما الفرق بين هذا الموضع وبين قوله تعالى :﴿وآية لهم الأرض الميتة﴾ (يس : ٣٣)
حيث أثبت الهاء هناك أجيب : بأنّ الأصل في الأرض الوصف فقال الميتة : لأنّ معنى الفاعلية ظاهر هناك والبلدة الأصل فيها الحياة
٧٠
لأنّ الأرض إذا صارت حية صارت آهلة وأقام بها القوم وعمروها فصارت بلدة فأسقط التاء لأنّ معنى الفاعلية غير ظاهر فتثبت فيه الهاء وإذا كان معنى الفاعل لم يظهر لا تثبت فيه الهاء.
ويحقق هذا القول قوله تعالى ﴿بلدة طيبةً﴾ (سبأ : ١٥)
حيث أثبت الهاء حيث ظهر معنى الفاعل ولم يثبت حيث لم يظهر ﴿كذلك﴾ أي : مثل الإخراج العظيم ﴿الخروج﴾ من قبورهم على ما كانوا عليه في الدنيا إذ لا فرق بين خروج النبات بعد ما تهشم وتفتت في الأرض وصار تراباً كما كان من بين أصفره وأبيضه وأحمره وأزرقه إلى غير ذلك وبين إخراج ما تفتت من الموتى كما كانوا في الدنيا
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٩
تنبيه : قال أبو حيان : ذكر تعالى في السماء ثلاثة البناء والتزيين ونفي الفروج وفي الأرض ثلاثة المدّ وإلقاء الرواسي والإنبات فقابل المدّ بالبناء لأنّ المدّ وضع والبناء رفع وإلقاء الرواسي بالتزيين بالكواكب لارتكاب كل واحد منها أي على سطح ما هو فيه والإنبات المترتب على الشق بانتفاء الفروج فلا شق فيها ونبه فيما تعلق به الإنبات على ما يقطف كل سنة ويبقى أصله وما يزرع كل سنة أو سنتين ويقطف كل سنة وعلى ما اختلط من جنسين فبعض الثمار فاكهة لا قوت وأكثر الزرع قوت والثمر فاكهة وقوت وقوله تعالى :
﴿كذبت قبلهم﴾ الآية فيه تسلية للرسول ﷺ وتنبيه بأنّ حاله كحال من تقدّمه من الرسل كذبوا وصبروا فأهلك الله تعالى مكذبيهم ونصرهم. ولما لم يكن لهؤلاء المكذبين شهرة يعرفون بها قال تعالى :﴿قوم نوح﴾ الذين كان آخر أمرهم أنه التقى عليهم الماءان نزل عليهم ماء السماء وطلع عليهم ماء الأرض فأغرقهم ووسم الفعل بالتاء إشارة إلى هو أنهم في جنب هذا المجد وأسقط الجار من قوله تعالى :﴿قبلهم﴾ إشارة إلى أنّ هؤلاء الأحزاب لقوتهم وكثرتهم كأنهم أهل الأرض قد استغرقوا مكانها وزمانها ثم أتبع قوم نوح بمشابهيهم بقوله تعالى :﴿وأصحاب الرس﴾ أي : البئر كانوا مقيمين عليها بمواشيهم يعبدون الأصنام، ونبيهم قيل : حنظلة بن صفوان وقيل غيره فخسفت تلك البئر مع ما حولها فذهبت بهم وبكل مالهم كما ذكرت قصتهم في الفرقان.
ثم أتبع أصحاب الرس بقوم صالح عليه السلام فقال ﴿وثمود﴾ لأنّ الرجفة التي أخذتهم مبدأ الخسف ثم أتبع ثمود بقوم هود عليه السلام فقال تعالى :


الصفحة التالية
Icon