﴿وعادٌ﴾ لأنّ الريح التي أهلكتهم أثرت بها صيحة ثمود وقال تعالى :﴿وفرعون﴾ ولم يقل قوم فرعون لأنه ليس في قادة هذه الفرق كافر غيره والنص عليه يفهم عظمته وأنه استخف قومه فأطاعوه ﴿وإخوان لوط﴾ أي : أصهاره الذين صار بينه وبينهم مع المصاهرة المناصرة بملوكهم على من قاواهم بنفسه وعمه خليل الله إبراهيم عليهما السلام ومع ذلك عاملوه بالخيانة والتكذيب.
﴿وأصحاب الأيكة﴾ أي : الغيضة. وهم قوم شعيب، والغضة الشجرة الملتف بعضه على بعض ولما كان تبع الحميري واسمه سعد وكنيته أبو كرب مع كونه في قومه ملكاً قاهراً وخالفوه مع ذلك، وكان لقومه نار في بلادهم يتحاكمون إليها فتأكل الظالم ختم بهم فقال تعالى :﴿وقوم تبع﴾ مع كونه ملكاً وهو يدعوهم إلى الله تعالى فلا يظنّ أنّ التكذيب مخصوص بمن كان قوياً لمن كان مستضعفاً بل هو واقع بمن شئنا من قوي وضعيف لا يخرج شيء عن مرادنا ﴿كلٌ﴾ أي من هذه الفرق ﴿كذب الرسل﴾ أي كلهم بتكذيب رسولهم فإن الكل متساوون فيما يوجب الإيمان من إظهار المعجز والدعاء إلى الله تعالى ﴿فحق﴾ أي : فتسبب عن تكذيبهم لهم أن ثبت عليهم ووجب
٧١
﴿وعيد﴾ أي : الذي كانوا يكذبون به عند إنذارهم لهم إياه فجعلنا لهم منه في الدنيا ما حكمنا به عليهم في الأزل فأهلكناهم إهلاكاً عامّاً كإهلاك نفس واحدة على أنحاء مختلفة كما هو مشهور عند من له بأمثاله عناية وأتبعناه ما هو في البرزخ وأخرنا ما هو في القيامة إلى يوم البعث فثبت بإهلاكنا لهم على تنائي ديارهم وتباعد أعصارهم وكثرة أعدادهم أن لنا الإحاطة البالغة فتسلّ بإخوانك المرسلين وتأس بهم وليحذر قومك ما حل بمن كذبهم أن أصرّوا.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٩
أفعيينا بالخلق﴾ أي : أحصل لنا مع ما لنا من العظمة الإعياء وهو العجز بسبب الخلق في شيء من إيجاده أو إعدامه ﴿الأوّل﴾ أي : من السموات والأرض وما بينهما حين ابتدأناه اختراعاً من العدم ومن خلق الإنسان وسائر الحيوان مجدّداً في كل أوان في الأطوار المشاهدة على هذه التدريجات المعتادة بعد أن خلقنا أصله على ذلك الوجه مما ليس له أصل في الحياة، ومن إعدامه بعد خلقه جملة كهذه الأمم أو تدريجاً كغيرهم ﴿بل هم في لبسٍ﴾ أي : شك شديد وشبهة موجبة للتكلم بكلام مختلط لا يعقل له معنى بل السكوت عنه أجمل ﴿من﴾ أي : لأجل ﴿خلقٍ جديدٍ﴾ أي : بالإعادة ولما ذكر الخافقين أتبعه خلق ما هو جامع لجميع ما هو فيهما. فقال تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٩
﴿ولقد﴾ أي : والحال أنا قد ﴿خلقنا﴾ أي : بما لنا من العظمة ﴿الإنسان﴾ وهو أعجب خلقاً وأجمع من جميع ما مضى ذكره بما فيه من الأنس والطغيان والذكر والنسيان والجهل والعرفان والطاعة والعصيان وغير ذلك من عجيب الشان. ووكلنا به من جنودنا من يحفظ فيضبط حركاته وسكناته وجميع أحواله ﴿ونعلم﴾ والحال أنا نعلم بما لنا من الإحاطة ﴿ماتوسوس﴾ أي : تكلم على وجه الخفاء ﴿به﴾ أي : الآن وفيما بعد ذلك ﴿نفسه﴾ مما لم نقدح بعد من خزائن الغيب إلى سرّ النفس كما علمنا ما تكلم نفسه وهي الخواطر التي تعرض له حتى أنه هو ربما عجز عن ضبطها فنحن نعلم أن قلوبهم عالمة بقدرتنا على أكمل ما نريد وبصحة القرآن وإعجازه وصدق الرسول به ﷺ وامتيازه وإنما حملهم الحسد والنفاسة والكبر والرياسة على الإنكار باللسان، حتى صار لهم ذلك خلقاً وتمادوا فيه، حتى غطى على عقولهم فصاروا في لبس محيط بهم من جميع الجوانب ونحن أي بما لنا من العظمة ﴿أقرب إليه﴾ أي : قرب علم وشهود من غير مسافة ﴿من حبل الوريد﴾ لأنّ أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضاً ولا يحجب علم الله تعالى شيء والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدّمها متصلان من الرأس إلى الوتين وهو عرق متصل بالقلب إذا قطع مات صاحبه. وهذا مثل في فرط القرب وإضافته مثل مسجد الجامع أي حبل العرق الوريد أو لأن
٧٢
الحبل أعمّ فأضيف للبيان نحو بئر ساقية أو يراد حبل العاتق وأضيف إلى الوريد كما يضاف إلى العاتق لأنهما ما في عضو واحد. وقال البغوي : حبل الوريد : عرق الفرق وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين يتفرّق في البدن والحبل هو الوريد فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين. قال القشيري : وفي هذه الآية هيبة وفزع وخوف لقوم وروح وأنس وسكون قلب لقوم. وقوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٢