إذ يتلقى} ظرف لأقرب ويجوز أن يكون منصوباً باذكر أي واذكر إذ يتلقى أي بغاية الاجتهاد والمراقبة والمراعاة من كل إنسان خلقناه وأبرزناه إلى هذا الوجود ﴿المتلقيان﴾ أي : الملكان الموكلان بعمل الإنسان ومنطقه يحفظانه ويكتبانه حال كونهما ﴿عن اليمين﴾ لكل إنسان ﴿وعن الشمال﴾ أي : أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فالذي عن اليمين يكتب الحسنات والذي عن الشمال يكتب السيئات وقوله تعالى :﴿قعيد﴾ أي : قاعدان. مبتدأ وخبره ما قبله لأنّ فعيلاً يطلق على الواحد والمتعدّد كقوله تعالى :﴿بعد ذلك ظهير﴾ (التحريم : ٤)
قال ابن عادل : والأجود أن يدع حذف إما من الأوّل أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد وإما من الثاني فيكون قعيد الملفوظ به للأوّل ومثله قوله :
*رماني بأمر كنت منه ووالدي ** بريئاً ومن أجل الطويّ رماني*
وقال مجاهد : القعيد المرصد. ونحن أعلم منهما وأقرب وإنما استحفظناهما لإقامة الحجة بهما على مجاري عاداتكم وغير ذلك من الحكم.
﴿ما يلفظ﴾ أي : يرمي ويخرج المكلف من فيه وعمم في النفي بقوله تعالى ﴿من قول﴾ جل أو قل ﴿إلا لديه﴾ أي : الإنسان أو القول على هيئة من القدرة والعظمة من أغرب المستغرب ﴿رقيب﴾ من حفظتنا شديد المراعاة في كل من أحواله ﴿عتيد﴾ أي : حاضر مراقب غير غافل بوجه قال الجلال المحلي : وكل منهما بمعنى المثنى أي رقيبان عتيدان. روى أبو أمامة أن رسول الله ﷺ قال :"كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر".
تنبيه : اختلف فيما يكتبان فقال مجاهد : يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه. وقال عكرمة : لا يكتبان إلا ما يؤجر أو يوزر فيه.
فائدتان : إحداهما : قال الحسن : إن الملائكة يجتنبون الإنسان عند حالتين عند غائطه وعند جماعه.
الثانية : قال الضحاك : مجلسهما تحت الشعر على الحنك ومثله عن الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته
﴿وجاءت﴾ أي : أتت وحضرت ﴿سكرة الموت﴾ أي : حالته عند النزع وشدّته وغمرته يصير
٧٣
المريض بها السكران لا يعي وتخرج بها أقواله وأفعاله عن قانون الاعتدال مجيئاً ملتبساً بالحق أي الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع فلا حيلة في الاحتراس منه. وقيل : للميت بلسان الحال إن لم يكن بلسان المقال ﴿ذلك﴾ أي : هذا الأمر العظيم العالي الرتبة الذي يحق لكل أحد الاعتداد له بغاية الجهد ﴿ما﴾ أي : الأمر الذي ﴿كنت﴾ أي : جبلةً وطبعاً ﴿منه تحيد﴾ أي : تميل وتنفر وتروغ وتهرب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٢
تنبيه : قيل الخطاب مع النبيّ ﷺ قال الرازي : وهو منكر وقيل مع الكافر قال ابن عادل : والأقوى أن يقال هو خطاب عام مع السامع وهذا أولى وقوله تعالى :
﴿ونفخ في الصور﴾ عطف على قوله تعالى :﴿وجاءت سكرة الموت﴾ وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام للموت العامّ والبعث العامّ عند التكامل وانقطاع أوان التعامل وهو بحيث لا يعلم قدر عظمه واتساعه إلا الله تعالى وهو عليه السلام قد التقم الصور من حين بعث النبي ﷺ وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر فيالها من عظمة ما أغفلنا وعنها أنساناً لها والمراد بهذه نفخة البعث وقوله تعالى :﴿ذلك﴾ إشارة إلى الزمان المفهوم من قوله نفخ لأنّ الفعل كما يدل على المصدر يدل على الزمان فكأنه تعالى قال ذلك الزمان العظيم الأهوال والأوجال ﴿يوم الوعيد﴾ أي : للكفار بالعذاب.
﴿وجاءت﴾ أي : فيه ﴿كل نفس﴾ أي مكلفة ﴿معها سائق﴾ أي ملك يسوقها إليه ﴿وشهيد﴾ يشهد عليها بعملها. قال الضحاك : السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم وهو الأيدي والأرجل وغيرها وهي رواية العوفي عن ابن عباس رضى الله عنهما وقيل : هما جميعاً من الملائكة، فالسائق كما قيل لا تعلق له بالشهادة لئلا تقول تلك النفس أنه خصم والخصم لا تقبل شهادته وقيل السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف ومنه إلى مقعده. والشهيد هو الكاتب والسائق لازم للبرّ والفاجر أما البر فيساق إلى الجنة وأما الفاجر فإلى النار قال تعالى :﴿وسيق الذين كفروا﴾ (الزمر : ٧١)
وقال تعالى :﴿وسيق الذين اتقوا﴾ (الزمر : ٧٣)
والشهيد يشهد عليها بما عملت. تنبيه : يجوز في جملة معها سائق وشهيد أن تكون في موضع جر صفة لنفس، وأن تكون في موضع رفع صفة لكل، وأن تكون في موضع نصب على الحال من كل.
ويقال للكافر.


الصفحة التالية
Icon