بأصنامهم فإنهم كانوا يعملون معها ما ينفعها ويحضرون لها المأكل فربما أكلتها الكلاب ثم بالت على الأصنام، ثم لا يصدهم ذلك عن عبادتها وقيل : في الآية حذف مضاف أي وما أريد أن يطعموا أحداً من خلقي وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأنّ الخلق كلهم عيال الله ومن أطعم عيال الله فقد أطعمه كما صح في الحديث عن أبي هريرة أنه ﷺ قال "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما تعلم أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن دم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو أسقيته لوجدت ذلك عندي".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٩
فإن قيل : ما الفائدة في تكرير الإرادتين مع أنّ من لا يريد من أحد رزقاً لا يريد أن يطعمه ؟
أجيب : بأنّ السيد قد يطلب من العبد المكتسب له الرزق وقد يكون للسيد مال وافر يستغني به عن التكسب لكنه يطلب من العبد قضاء حوائجه وإحضار الطعام بين يديه فقال : لا أريد ذلك ولا هذا وقدم طلب الرزق على طلب الإطعام من باب الارتقاء من الأدنى إلى الأعلى.
فإن قيل : ما فائدة تخصيص الإطعام بالذكر مع أنّ المراد عدم طلب فعل منهم غير التعظيم ؟
أجيب : بأنه لما عمم النفي في طلب الأوّل بقوله تعالى ﴿من رزق﴾ وذلك إشارة إلى التعميم فذكر الإطعام ونفى الأدنى ليتبعه بنفي الأعلى بطريق الأولى فكأنه قال : ما أريد منهم من غنى ولا عمل.
فإن قيل : المطالب لا تنحصر فيما ذكره فإنّ السيد قد يشتري العبد لا لطلب رزق منه ولا للتعظيم بل يشتريه للتجارة. أجيب : بأن العموم في قوله تعالى :﴿ما أريد منهم من رزق﴾ يتناول ذلك.
ثم بين تعالى أنه الرزاق لا غيره بقوله عز من قائل.
﴿إن الله﴾ أي : المحيط بجميع صفات الكمال المنزه عن جميع صفات النقص ﴿هو﴾ أي : لا غيره ﴿الرزاق﴾ أي : على سبيل التكرار لكل حيّ وفي كل وقت ﴿ذو القوّة﴾ أي : التي لا تزول بوجه ﴿المتين﴾ أي : الشديد الدائم.
فإن قيل : لم لم يقل إني رزاق ؟
بل قال على الحكاية عن الغائب إنّ الله هو الرزاق فما الحكمة أجيب : بأنّ المعنى قل يا محمد إنّ الله هو الرزاق، أو يكون من باب الالتفات من التكلم إلى الغيبة، أو يكون قل مضمراً عند قوله تعالى :﴿ما أريد منهم من رزق﴾ ولم يقل القوي بل قال ذو القوّة لأنّ المقصود تقرير ما تقدّم من عدم إرادة الرزق وعدم الاستعانة بالغير، وقيد بالمتين لأنّ ذو القوّة لا يدل إلا على أنّ له قوّة ما فزاد في الوصف المتانة وهو الذي له ثبات لا يتزلزل، والمعنى في وصفه سبحانه بالقوة والمتانة أنه القادر البليغ الاقتدار على كل شيء.
ولما أقسم سبحانه على الصدق في وعيدهم إلى أن ختم بقوته التي لا حدّ لها سبب عن ذلك إيقاعه بالمتوعدين فقال تعالى مؤكداً لأجل إنكارهم :
﴿فإن للذين ظلموا﴾ أي : أوقعوا الأشياء في غير مواقعها ﴿ذنوباً﴾ أي : نصيباً من العذاب طويل الشرّ كأنه من طوله صاحب ذنب ﴿مثل ذنوب أصحابهم﴾ أي : الذين تقدّم ظلمهم بتكذيب الرسل من قوم نوح وعاد وثمود، والذنوب في الأصل
١٠١
الدلو العظيمة المملوءة ماء وفي الحديث "فأتى بذنوب من ماء" فإن لم تكن ملأى فهي دلو ثم عبر به عن النصيب قال عمرو بن شاس :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٩
وفي كل حيّ قد خطبت بنعمة ** فحق لشاس من نداك ذنوب*
قال الملك : نعم وأذنبه، قال الزمخشري : وهذا تمثيل أصله في السقاة يتقسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا آخر. قال الشاعر :
*لكم ذنوب ولنا ذنوب ** فإن أبيتم فلنا القليب*
وقال الراغب الذنوب الدلو لذي له ذنب انتهى. فراعى الاشتقاق والذنوب أيضاً : الفرس الطويل الذنب، وهو صفة على فعول والذنوب لحم أسفل المتن ويقال : يوم ذنوب أي طويل الشرّ استعارة من ذلك ويجمع في القلة على أذنبة وفي الكثرة على ذنائب ﴿فلا تستعجلون﴾ أي تطلبوا أن آتيكم به قبل أوانه حق به، فإنّ ذلك لا يفعله إلا ناقص وأنا متعال عن ذلك لا أخاف الفوت ولا يلحقني عجز ولا أوصف به، ولا بدّ أن أوقعه بهم في الوقت الذي قضيت به في الأزل فإنه أحق الأوقات بعقابهم لتكامل ذنوبهم.
﴿فويل﴾ أي شدّة عذاب ﴿للذين كفروا﴾ أي ستروا ما ظهر من هذه الأدلة التي لا يسع عاقلاً إنكارها ﴿من يومهم الذي يوعدون﴾ أضافه إليهم لأنه خاص بهم دون المؤمنين، وهو يوم القيامة وقيل يوم بدر وحذف العائد لاستكمال شروطه أي يوعدونه، وقرأ حمزة والكسائي في الوصل بضم الهاء والميم، وأبو عمرو بكسر الهاء والميم والباقون بكسر الهاء وضم الميم وأما الوقف عليها فالجميع بكسر الهاء وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه ﷺ قال من "قرأ سورة الذاريات أعطاه الله تعالى عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا" حديث موضوع والله أعلم.
١٠٢
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٩