فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية بويلها واضعة يدها على رأسها ويقال إنّ خالداً رجع إلى النبي ﷺ فقال : قد قلعتها فقال ما رأيت قال ما رأيت شيئاً فقال النبيّ ﷺ ما فعلت فعاودها ومعه المعول فقلعها واجتث أصلها فخرجت منها امرأة عريانة فقتلها ثم رجع إلى رسول الله ﷺ فأخبره فقال تلك العزى ولن تعبد أبداً.
وقال الضحاك : هي صنم لغطفان وضعها لهم سعيد بن ظالم الغطفاني، وذلك أنه لما قدم مكة فرأى الصفا والمروة ورأى أهل مكة يطوفون بهما فعاد إلى نخلة وقال لقومه : إن لأهل مكة الصفا والمروة وليستا لكم ولهم إله يعبدونه وليس لكم قالوا : فما تأمرنا به، قال : أنا أصنع لكم كذلك وأخذ حجراً من الصفا وحجراً من المروة ونقلهما إلى نخلة فوضع الذي أخذه من الصفا وقال : هذا الصفا ووضع الذي أخذه من المروة، وقال هذه المروة : ثم أخذ ثلاثة أحجار فاسندها إلى شجرة فقال : هذا ربكم، فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة حتى افتتح رسول الله ﷺ مكة فأمر برفع الحجارة وبعث خالد بن الوليد إلى العزى فقطعها وقال ابن زيد : هي بيت بالطائف كان تعبده ثقيف.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٣
وأما قوله تعالى ﴿ومناة﴾ فقال قتادة : هي صخرة كانت لخزاعة بقديد، وقالت عائشة في الأنصار كانوا يصلون لمناة فكانت حذو قديد. وقال ابن زيد بيت بالمشلل تعبده بنو كعب وقال الضحاك : مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبده أهل مكة وقيل اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها.
وقوله تعالى :﴿الثالثة الأخرى﴾ نعت لمناة إذ هي الثالثة للصنمين في الذكر، وأما الأخرى فقال أبو البقاء : توكيد لأنّ الثالثة لا تكون إلا أخرى، وقال الزمخشري : الأخرى ذم وهي المتأخرة الوضيعة المقدار كقوله تعالى :﴿وقالت أخراهم﴾ أي : وضعاؤهم ﴿لأولاهم﴾ أي : لأشرافهم، ويجوز أن تكون الأولية والتقدّم عندهم للات والعزى ا. ه. قال ابن عادل : وفيه نظر لأنّ الأخرى إنما تدل على الغيرية وليس فيها تعرّض لمدح ولا ذم فإن جاء شيء فلقرينة خارجية ا. ه. ووجه الترتيب أنّ اللات كان وثناً على صورة آدمي، والعزى شجرة نبات، ومناة صخرة فهي جماد فهي في أخريات المراتب.
فإن قيل : ما فائدة الفاء في قوله تعالى :﴿أفرأيتم﴾ وقد وردت في مواضع بغير فاء كقوله تعالى :﴿أرأيتم ما تدعون من دون الله﴾ (الأحقاف : ٤)
﴿أرأيتم شركاءكم﴾ (فاطر : ٤٠)
أجيب : بأنه تعالى لما قدم عظمته في ملكوته وأنّ رسوله إلى الرسل يسد الآفاق ببعض أجنحته ويهلك المدائن بشدّته وقوّته ولا يمكنه مع هذا أن يتعدّى السدرة في مقام جلال الله وعزته قال : أفرايتم هذه الأصنام مع ذلتها وحقارتها شركاء الله تعالى مع ما تقدّم، فقال بالفاء أي عقب ما سمعتم من عظمة آيات الله الكبرى ونفاذ علمه في الملأ الأعلى وما تحت الثرى انظروا إلى اللات والعزى تعلموا فساد ما ذهبتم إليه.
تنبيه : مفعول أرأيت الأول اللات وما عطف عليه والثاني : محذوف والمعنى أخبروني ألهذه
١٢٤
الأصنام قدرة على شيء ما فتعبدونها دون الله القادر على ما تقدّم ذكره.
وقرأ ابن كثير ﴿مناة﴾ بهمزة مفتوحة بعد الألف والباقون بغير همز.
ولما زعموا أيضاً أنّ الملائكة بنات الله مع كراهتهم للبنات نزل ﴿ألكم﴾ أي : خاصة ﴿الذكر﴾ أي : النوع الأعلى ﴿وله﴾ أي : وحده ﴿الأنثى﴾ أي : النوع الأسفل.
﴿تلك﴾ أي : هذه القسمة البعيدة عن الصواب ﴿إذاً﴾ أي : إذ جعلتم البنات له والبنين لكم ﴿قسمة ضيزى﴾ أي : جائرة ظالمة ناقصة فيها بخس للحق إلى الغاية عوجاء غير معتدلة، حيث خصصتم به ما أوصلتكم الكراهة له إلى دفنه حياً بل كان ينبغي أن تجعلوا الأعظم للعظيم والأنقص للحقير فخالفتم العقل والنقل والعادة.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٣
إن﴾ أي : ما ﴿هي﴾ أي : هذه الأصنام ﴿إلا أسماء﴾ أي : لا حقائق لها فيما ادعيتم لها من الإلهية ليس لها من ذلك غير الأسماء وأكد ذلك بقوله تعالى :﴿سميتموها﴾ أي : ابتدعتم تسميتها.
فإن قيل : الأسماء لا تسمى وإنما يسمى بها أجيب : بأن التسمية وضع الاسم فكأنه قال أسماء وضعتموها فاستعمل سميتموها استعمال وضعتموها ﴿أنتم وآباؤكم﴾ أي : لا غير ﴿ماأنزل الله﴾ أي : الذي له جميع صفات الكمال ﴿بها﴾ أي باستحقاقها للأسماء أو لما سميتموها به من الإلهية، وأغرق في النفي فقال :﴿من سلطان﴾ أي : حجة تصلح مسلطاً على ما يدعى فيها بل لمجرد الهوى لم تروا منها آية ولا كلمتكم قط بكلمة تعتمدونها وعلى تقدير أن تتكلم الشياطين على ألسنتها فأيّ طريقة قويمة شرعت لكم، وأيّ كلام صالح أو بليغ برز إليكم منها وأيّ آية كبرى أرَتْكموها.