فقد دفع الله تعالى العذاب عن بعض الناس بسبب بعض وذلك انتفاع بعمل الغير. عشروها : أنّ صدقة الفطر تجب عن الصغير وغيره ممن يمونه الرجل فينتفع بذلك من يخرج عنه ولا سعي لهما. حادي عشريها : أنّ الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون ويثاب على ذلك ولا سعي له ومن تأمّل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى، فكيف يجوز أن تتأوّل الآية على خلاف صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
والمراد بالإنسان العموم وقال الربيع بن أنس : ليس للإنسان يعني الكافر : وأما المؤمن فله ما سعي وما سعى له وقيل : ليس للكافر من الخير إلا ما عمله يثاب عليه في الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير، وروي "أنّ عبد الله بن أبي كان أعطى العباس قميصاً ألبسه إياه فلما مات أرسل النبيّ ﷺ قميصه ليكفن فيه فلم تبق له حسنة في الآخرة يثاب عليها".
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣١
وأن سعيه﴾ أي : من خير وشر ﴿سوف يرى﴾ أي : في ميزانه من غير شك يوم القيامة بوعد لا خلف فيه وإن طال المدى، من : أريته الشيء، أي : يعرض عليه ويكشف له.
فإن قيل : العمل كيف يرى بعد وجوده ومضيه ؟
أجيب : بأنه يرى على صورة جميلة إن كان العمل صالحاً قال الرازي وذلك على مذهبنا غير بعيد، فإن كل موجود يرى والله تعالى قادر على إعادة كل ما عدم فيعيد الفعل فيرى، وفيه بشارة للموحد وذلك أنّ الله تعالى يريه أعماله الصالحة ليفرح بها ويحزن الكافر بأعماله الفاسدة فيزداد غماً.
﴿ثم يجزاه﴾ أي : السعي ﴿الجزاء الأوفى﴾ أي : الأتمّ الأكمل والمعنى : أنّ الإنسان يجزى جزاء سعيه بالجزاء الأوفى يقال : جزيت فلاناً سعيه وبسعيه. قال الرازي : الجزاء الأوفى يليق بالمؤمنين الصالحين، لأنّ جزاء الطالح وافر قال تعالى :﴿فإنّ جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً﴾ (الإسراء : ٦٣)
وذلك أن جهنم ضررها أكثر من نفع الآثام فهي في نفسها أوفر.
﴿وأنّ إلى ربك﴾ أي : المحسن إليك لا إلى غيره ﴿المنتهى﴾ أي : الانتهاء برجوع الخلائق ومصيرهم إليه فيجازيهم بأعمالهم وقيل : منه ابتداء المنة وإليه انتهاء الآمال، وروى أبو هريرة مرفوعاً "تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنّ الله تعالى لا يحيط به الفكر" وفي رواية "لا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره".
١٣٣
قال القرطبي : ومن هذا المعنى قوله ﷺ "يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول له من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله تعالى" ولقد أحسن من قال :
*ولا تفكرن في ذي العلا عز وجهه ** فإنك تردى إن فعلت وتخذل*
*ودونك مخلوقاته فاعتبر بها ** وقل مثل ما قال الخليل المبجل*
وقيل : المراد من الآية التوحيد وفي المخاطب وجهان : أحدهما : أنه عام تقديره إلى ربك أيها السامع أو العاقل والثاني : أنه خطاب مع النبيّ ﷺ فعلى الأول يكون تهديداً وعلى الثاني يكون تسلية لقلب النبيّ ﷺ فعلى الأول تكون اللام في المنتهى للعهد المعهود في القران وعلى الثاني تكون للعموم أي إلى ربك كل منتهى.
وقوله تعالى :﴿وأنه هو﴾ أي : لا غيره ﴿أضحك وأبكى﴾ يدل على أنّ كل ما يعمله الإنسان فبقضاء الله تعالى وخلقه حتى الضحك والبكاء، وروي أنه ﷺ مر على قوم من أصحابه وهم يضحكون فقال ﷺ "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنّ الله يقول لك :﴿وأنه هو أضحك وأبكى﴾ أي : قضى أسبابهما فرجع إليهم ﷺ فقال ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال : ائت هؤلاء فقل لهم إن الله تعالى يقول :﴿هو أضحك وأبكى﴾ أي قضى أسباب الضحك والبكاء وقال بسام بن عبد الله أضحك أسنانهم وأبكى قلوبهم وأنشد يقول :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣١
السنّ تضحك والأحشاء تحترق ** وإنما ضحكها زور ومختلق*
*يا رب باك بعين لا دموع لها ** ورب ضاحك سنّ ما به رمق*
وقال مجاهد والكلبي أضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار، وقال الضحاك : أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر وقال عطاء بن أبي مسلم : يعني أفرح وأحزن لأنّ الفرح يجلب الضحك، والحزن يجلب البكاء وقيل : إنّ الله تعالى خص الإنسان بالضحك والبكاء من سائر الحيوان وقيل : القرد وحده يضحك ولا يبكي وإنّ الإبل وحدها تبكي ولا تضحك وقال يونس بن الحسين : سئل طاهر المقدسي أتضحك الملائكة ؟
فقال : ما ضحكوا ولا كل من دون العرش منذ خلقت جهنم وعن عائشة قالت :"لا والله ما قال رسول الله ﷺ قط إن الميت يعذب ببكاء أحد ولكنه قال إنّ الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذاباً وإنّ الله تعالى هو أضحك وأبكى".