المسألة الأولى :﴿قَآاـاِمَا بِالْقِسْطِ ﴾ منتصب، وفيه وجوه :
الوجه الأول : نصب على الحال، ثم فيه وجوه أحدها : التقدير : شهد الله قائماً بالقسط وثانيها : يجوز أن يكون حالا من هو تقديره : لا إله إلا هو قائماً بالقسط، ويسمى هذا حالاً مؤكدة كقولك : أتانا عبد الله شجاعاً، وكقولك : لا رجل إلا عبد الله شجاعاً.
الوجه الثاني : أن يكون صفة المنفي، كأنه قيل : لا إله قائماً بالقسط إلا هو، وهذا غير بعيد لأنهم يفصلون بين الصفة والموصوف.
والوجه الثالث : أن يكون نصباً على المدح.
فإن قيل : أليس من حق المدح أن يكون معرفة، كقولك، الحمد لله الحميد.
قلنا : وقد جاء نكرة أيضاً، وأنشد سيبويه :
ويأوي إلى نسوة عطل
وشعثاً مراضع مثل السعالي
المسألة الثانية : قوله ﴿قَآاـاِمَا بِالْقِسْطِ ﴾ فيه وجهان الأول : أنه حال من المؤمنين والتقدير : وأولوا العلم حال كون كل واحد منهم قائماً بالقسط في أداء هذه الشهادة والثاني : وهو قول جمهور المفسرين أنه حال من ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾.
المسألة الثالثة : معنى كونه ﴿قَآاـاِمَا بِالْقِسْطِ ﴾ قائماً بالعدل، كما يقال : فلان قائم بالتدبير، أي يجريه على الاستقامة.
واعلم أن هذا العدل منه ما هو متصل بباب الدنيا، ومنه ما هو متصل بباب الدين، أما المتصل بالدين/ فانظر أولاً في كيفية خلقة أعضاء الإنسان، حتى تعرف عدل الله تعالى فيها، ثم انظر إلى اختلاف أحوال الخلق في الحسن والقبح، والغنى والفقر والصحة والسقم، وطول العمر وقصره واللذة والآلام واقطع بأن كل ذلك عدل من الله وحكمة وصواب ثم انظر في كيفية خلقة العناصر وأجرام الأفلاك، وتقدير كل واحد منها بقدر معين وخاصية معينة، واقطع بأن كل ذلك حكمة وصواب، أما ما يتصل بأمر الدين، فانظر إلى اختلاف الخلق في العلم والجهل، والفطانة والبلادة والهداية والغواية، واقطع بأن كل ذلك عدل وقسط، ولقد خاض صاحب "الكشاف" ههنا في التعصب للاعتزال وزعم أن الآية دالة على أن الإسلام هو العدل والتوحيد، وكان ذلك المسكين بعيداً عن معرفة هذه الأشياء إلا أنه فضولي كثير الخوض فيما لا يعرف، وزعم أن الآية دلّت على أن من أجاز الرؤية، أو ذهب إلى الجبر لم يكن على دين الله الذي هو الإسلام، والعجب أن أكابر المعتزلة وعظماءهم أفنوا أعمارهم في طلب الدليل على أنه لو كان مرئياً لكان جسماً، وما وجدوا فيه سوى الرجوع إلى الشاهد من غير جامع عقلي قاطع، فهذا المسكين الذي ما شم رائحة العلم من أين وجد ذلك، وأما حديث الجبر فالخوض فيه من ذلك المسكين خوض فيما لا يعنيه، لأنه لما اعترف بأن الله تعالى عالم بجميع الجزئيات، واعترف بأن العبد لا يمكنه أن يقلب علم الله جهلاً، فقد اعترف بهذا الجبر، فمن أين هو والخوض في أمثال هذه المباحث.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٦٨
ثم قال الله تعالى :﴿لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ﴾ والفائدة في إعادته وجوه الأول : أن تقدير الآية : شهد الله أنه لا إله إلا هو، وإذا شهد بذلك فقد صح أنه لا إله إلا هو، ونظيره قول من يقول : الدليل دلّ على وحدانية الله تعالى، ومتى كان كذلك صح القول بوحدانية الله تعالى الثاني : أنه تعالى لما أخبر أن الله شهد أنه لا إله إلا هو وشهدت الملائكة وأولوا العلم بذلك صار التقدير، كأنه قال :/يا أمة محمد فقولوا أنتم على وفق شهادة الله وشهادة الملائكة وأولي العلم ﴿لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ﴾ فكان الغرض من الإعادة الأمر بذكر هذه الكلمة على وفق تلك الشهادات الثالث : فائدة هذا التكرير الإعلام بأن المسلم يجب أن يكون أبداً في تكرير هذه الكلمة فإن أشرف كلمة يذكرها الإنسان هي هذه الكلمة، فإذا كان في أكثر الأوقات مشتغلاً بذكرها وبتكريرها كان مشتغلاً بأعظم أنواع العبادات، فكان الغرض من التكرير في هذه الآية حث العباد على تكريرها الرابع : ذكر قوله ﴿لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ﴾ أولاً : ليعلم أنه لا تحق العبادة إلا لله تعالى، وذكرها ثانيا : ليعلم أنه القائم بالقسط لا يجور ولا يظلم.
أما قوله ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة، والحكيم إشارة إلى كمال العلم، وهما الصفتان اللتان يمتنع حصول الإلهية إلا معهما لأن كونه قائماً بالقسط لا يتم إلا إذا كان عالماً بمقادير الحاجات، وكان قادراً على تحصيل المهمات، وقدم العزيز على الحكيم في الذكر، لأن العلم بكونه تعالى قادراً متقدم على العلم بكونه عالماً في طريق المعرفة الإستدلالية، فلما كان مقدماً في المعرفة الإستدلالية، وكان هذا الخطاب مع المستدلين، لا جرم قدم تعالى ذكر العزيز على الحكيم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٦٨
١٧١
وفيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon