أما قوله تعالى :﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَـاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ فالمعنى أنه تعالى لما حكى عنهم اغترارهم بما هم عليه من الجهل بيّن أنه سيجيء يوم يزول فيه ذلك الجهل، ويكشف فيه ذلك الغرور فقال ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَـاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ وفي الكلام حذف، والتقدير : فكيف صورتهم وحالهم ويحذف الحال كثيراً مع كيف لدلالته عليها تقول : كنت أكرمه وهو لم يزرني، فكيف لو زارني أي كيف حاله إذا زارني، واعلم أن هذا الحذف يوجب مزيد البلاغة لما فيه من تحريك النفس على استحضار كل نوع من أنواع الكرامة في قول القائل : لو زارني وكل نوع من أنواع العذاب في هذه الآية.
أما قوله تعالى :﴿إِذَا جَمَعْنَـاهُمْ لِيَوْمٍ﴾ ولم يقل في يوم، لأن المراد : لجزاء يوم أو لحساب يوم فحذف المضاف ودلّت اللام عليه، قال الفرّاء : اللام لفعل مضمر إذا قلت : جمعوا ليوم الخميس، كان المعنى جمعوا لفعل يوجد في يوم الخميس وإذا قلت : جمعوا في يوم الخميس لم تضمر فعلاً وأيضاً فمن المعلوم أن ذلك اليوم لا فائدة فيه إلا المجازاة وإظهار الفرق بين المثاب والمعاقب، وقوله ﴿لا رَيْبَ فِيه ﴾ أي لا شك فيه.
ثم قال :﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ فإن حملت ما كسبت على عمل العبد جعل في الكلام حذف، والتقدير : ووفيت كل نفس جزاء ما كسبت من ثواب أو عقاب، وإن حملت ما كسبت على الثواب والعقاب استغنيت عن هذا الإضمار.
ثم قال :﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ فلا ينقص من ثواب الطاعات، ولا يزاد على عقاب السيئات.
واعلم أن قوله ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ يستدل به القائلون بالوعيد، ويستدل به أصحابنا القائلون بأن صاحب الكبيرة من أهل الصلاة لا يخلد في النار، أما الأولون قالوا : لأن صاحب الكبيرة لا شك أنه مستحق العقاب بتلك الكبيرة، والآية دلّت على أن كل نفس توفي عملها وما كسبت، وذلك يقتضي وصول العقاب إلى صاحب الكبيرة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٧٨
وجوابنا : أن هذا من العمومات، وقد تكلمنا في تمسك المعتزلة بالعمومات.
وأما أصحابنا فإنهم يقولون : إن المؤمن استحق ثواب الإيمان فلا بد وأن يوفي عليه ذلك /الثواب لقوله ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ فإما أن يثاب في الجنة ثم ينقل إلى دار العقاب وذلك باطل بالإجماع، وإما أن يقال : يعاقب بالنار ثم ينقل إلى دار الثواب أبداً مخلداً وهو المطلوب.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إن ثواب إيمانهم يحبط بعقاب معصيتهم ؟
قلنا : هذا باطل لأنا بينا أن القول بالمحابطة محال في سورة البقرة، وأيضاً فإنا نعلم بالضرورة أن ثواب توحيد سبعين سنة أزيد من عقاب شرب جرعة من الخمر، والمنازع فيه مكابر، فبتقدير القول بصحة المحابطة يمتنع سقوط كل ثواب الإيمان بعقاب شرب جرعة من الخمر، وكان يحيى بن معاذ رحمة الله عليه يقول : ثواب إيمان لحظة، يسقط كفر سبعين سنة، فثواب إيمان سبعين سنة كيف يعقل أن يحبط بعقاب ذنب لحظة، ولا شك أنه كلام ظاهر.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٧٨


الصفحة التالية
Icon